ما يقرب من مائة عام امتلأت أرض تركيا خاصة اسطنبول وما حولها بالدماء التي لم تكن تعلم يومًا أن أجسادها ستختلط بتراب الأرض التي عاشت عليها، وبعد أن عاش الأرمن منذ القرن الحادي عشر في ظل إمارات تركيا المتعاقبة والتي كان آخرها الإمبراطورية العثمانية، وقد اعترف بهم العثمانيون كملة منفصلة كاملة الحقوق، وبحلول القرن التاسع عشر أصبحت الدولة العثمانية أكثر تأخرًا من غيرها من الدول الأوروبية حتى أنها لقبت ب«رجل أوروبا العجوز»، في الوقت الذي ارتكبت فيه الدولة العثمانية أبشع جرائم الإنسانية في حق الأرمن وتسببت في سيل دماء أعداد مهولة منهم، عُرفت باسم المحرقة الأرمينية والمذبحة الأرمينية أو الجريمة الكبرى، وتشير إلى القتل المتعمد والمنهجي للسكان الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل. وقدّر الباحثون أعداد الضحايا الأرمن بأنها تتراوح بين مليون و1.5 مليون نسمة، لم تكن الجريمة قاصدة مجموعات عرقية مسيحية أخرى تمت مهاجمتها وقتلها من قبل الإمبراطورية العثمانية خلال هذه الفترة كالسريان والكلدان والآشوريين واليونانيين وغيرهم، ويرى عدد من الباحثين أن هذه الأحداث، تعتبر جزءًا من نفس سياسة الإبادة التي انتهجتها الإمبراطورية العثمانية ضد الطوائف المسيحية.
بدايتها ومن وراءها اتهم عبد الحميد الثاني بكونه أول من بدأ بتنفيذ المجازر بحق الأرمن وغيرهم من المسيحيين الذين كانوا تحت حكم الدولة العثمانية، ففي عهده نفذت «المجازر الحميدية» حيث قتل مئات الآلاف من الأرمن واليونانيين والآشوريين لأسباب اقتصادية ودينية متعددة، وبدأت عمليات التصفية بين سنتي 1894-1896، كما قام عبد الحميد الثاني بإثارة القبائل الكردية لكي يهاجموا القرى المسيحية في تلك الأنحاء. خلال فترة الحرب العالمية الأولى قام الأتراك بالتعاون مع عشائر كردية بإبادة مئات القرى الأرمينية شرقي البلاد في محاولة لتغيير ديموجرافية تلك المناطق لاعتقادهم أن هؤلاء قد يتعاونون مع الروس والثوار الأرمن. كما أجبروا القرويين على العمل كحمالين في الجيش العثماني ومن ثم قاموا بإعدامهم بعد إنهاكهم. غير أن قرار الإبادة الشاملة لم يتخذ حتى ربيع 1915, ففي 24 إبريل 1915 قام العثمانيون بجمع المئات من أهم الشخصيات الأرمينية في اسطنبول وتم إعدامهم في ساحات المدينة. بعدها أمرت جميع الأهالي الأرمينية في الأناضول بترك ممتلكاتها والانضمام إلى القوافل التي تكونت من مئات الآلاف من النساء والأطفال في طرق جبلية وعرة وصحراوية قاحلة، وغالبًا ما تم حرمان هؤلاء من المأكل والملبس، فمات خلال حملات التهجير هذه حوالي 75% ممن شارك بها وترك الباقون في صحاري بادية الشام. وبحسب رواية أحد المرسلين الأمريكيين إلى مدينة الرها –آنذاك- الذي قال:«خلال ستة أسابيع شاهدنا أبشع الفظائع تقترف بحق الآلاف.. الذين جاءوا من المدن الشمالية ليعبروا من مدينتنا. وجميعهم يروون نفس الرواية: "قتل جميع رجالهم في اليوم الأول من المسيرة، بعدها تم الاعتداء على النسوة والفتيات بالضرب والسرقة وخطف بعضهن حراسهم.. كانوا من أسوأ العناصر كما سمحوا لأي من كان من القرى التي عبروها باختطاف النسوة والاعتداء عليهن. لم تكن هذه مجرد روايات بل شاهدنا بأم أعيننا هذا الشيء يحدث علنا في الشوارع".
أعداد الموتى وما بعد التهجير يتفق معظم المؤرخين على أن عدد القتلى من الأرمن تجاوز المليون، غير أن الحكومة التركية وبعض المؤرخين الأتراك يشيرون إلى مقتل 300,000 أرمني فقط، بينما تشير مصادر أرمينية إلى سقوط أكثر من مليون ونصف أرمني بالإضافة إلى مئات الآلاف من الآشوريين والسريان والكلدان واليونان. وأصدرت جريدة «نيويورك تايمز» في عدد 15 ديسمبر 1915 أن حوالي مليون شخص قتلوا أو تم نفيهم على أيدي الأتراك، بسبب هذه المذابح هاجر الأرمن إلى العديد من دول العالم من ضمنهم أرمن سوريا، لبنان، مصر، العراق، ولا يزال الأرمن يحيون تلك الذكرى في 24 أبريل حتى الآن لا تعترف دولة تركيا بهذه المذبحة. عندما دخل الإنجليز إلى إسطنبول محتلين في 13 نوفمبر 1919،أثاروا المسألة الأرمينية، وقبضوا على عدد من القادة الأتراك لمحاكمتهم غير أن معظم المتهمين هرب أو اختفى فحكم عليهم بالإعدام غيابيًا، ولم يتم إعدام سوى حاكم يوزغت الذي أثم بإبادة مئات الأرمن في بلدته.
إحياء الذكرى والنصب التذكارية هناك أكثر من 135 نصب تذكاري، موزعة على 25 بلدًا، إحياء لذكرى الإبادة الجماعية للأرمن. وفي عام 1965، في الذكرى 50 للإبادة الجماعية، بدأ احتجاج جماعي على مدار 24 ساعة في يريفان مطالبين بالاعتراف بالإبادة الأرمينية من قبل السلطات السوفيتية، وتم الانتهاء من النصب التذكاري بعد ذلك بعامين، متحف الإبادة الأرمينية يقع فوق الخانق «هرازدان» في «يريفان»، طوله حوالي 44 متر (144 قدمًا) ويرمز إلى النهضة الوطنية للأرمن، تم وضع 12 بلاطة في شكل دائرة، وهو ما يمثل 12 مقاطعة في تركيا حتى الآن في مركز الدائرة هناك شعلة أبدية، في 24 إبريل، يأتي مئات الآلاف من الناس سيرًا على الأقدام إلى نصب الإبادة الجماعية ويتم وضع الزهور حول الشعلة الأبدية. نصب تذكاري آخر تم تفجيره، في مدينة الفوتيفلي، فرنسا، بالقرب من باريس، في 1984، من قبل المنظمة التركية الذئاب الرمادية بقيادة عبد الله جاتلي، والتي دفعت من قبل وكالة الاستخبارات التركية.