لطالما دخلت السلطة السياسية وتدخل في صراع رهيب مع حقوق الإنسان ، للدرجة التي معها يمكن اعتبار أن التاريخ الحقيقي لحقوق الإنسان إنما هو تاريخ الصراع بين الإنسان وبين السلطة السياسية الحاكمة ؛ ذلك أن ثمة أنواع من الحقوق الإنسانية لا تتطلب من السلطة أكثر من أن ترفع يدها ليحوزها الإنسان ويتمتع بها .. كالحقوق المدنية والسياسية ، وهناك من الحقوق التي تتطلب أن تضع السلطة يدها وتُقِيم مشاريعها ؛ ليتمتع بها الإنسان .. كالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. إلا أن الواقع المعاش ينبئنا أن السلطة السياسة في كثير من البلدان والأزمان تضع يدها حيث يجب أن ترفعها ، وترفعها حيث يجب أن تضعها .. والنتيجة الحتمية لذلك هو عدم تمتع الإنسان بحقوقه الإنسانية ! والعجيب أن السلطة السياسية دوما تبدي حرصها على مصالح الجماهير ، مُدعية الحكمة والطهارة والشفافية في كل ما يصدر عنها ، بل والزهد في السلطة ذاتها !.. حتى إذا ما ظهر من بين الجماهير فيلسوفا معبرا عن سوء الحال والمآل ، طارحا فكرا جديدا يتجه بالمجتمع صوب العدالة وحقوق الإنسان .. فسرعان ما تتوجس السلطة الحاكمة خيفة .. وتتربص بصاحب الفكر المهدد لسلطانها ؛ ولذا رأيناها دوما عبر صفحات التاريخ تقتل وتريق الدماء ! .. دماء الأنبياء ودماء الفلاسفة .. دماء كل من يدعو لتغيير نظام المجتمع في اتجاه العدالة .. فألقت أبو الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام في النار ، وقطعت رأس " توماس مور " وألقته في نهر التايمز .. هي التي قتلت المواليد الذكور على عهد نبي الله موسى خوفا من التغيير ، وهي التي قتلت بالسم سقراط !.. هي التي ظهرت سؤتها علانية في سجني " أبو غريب وجوانتنامو " ! .. و هي ذاتها السلطة السياسية التي تتشدق وتتاجر بالإنسان وحقوقه في بقاع كثيرة من عالمنا المعاصر .. فأي حقوق للإنسان يمكن أن ننشد من سلطة سياسية غير منضبطة بضوابط الشرع أو بضوابط القانون على أقل تقدير ؟! وقد يتسائل البعض : و هل في ارتباط حقوق الإنسان بالفلسفة والفلاسفة عوضا لها عما يصيبها من انتهاكات جراء ارتباطها بالسلطة السياسية ؟ والجواب أن لا ؛ ذلك أن ارتباط حقوق الإنسان بالفلسفة أمرا في غاية الخطورة ؛ فالفلاسفة بحكم بشريتهم ، وبحكم مناهجهم المختلفة يصلون بالضرورة لنتائج وتفسيرات مختلفة .. وإن جاز ذلك في رؤى وتفسيرات لأمور يجوز معها تعدد زوايا الرؤية ، فإنه بحال لا يجوز مع الحقوق ذات الطبيعة الثابتة التي لا يجب الاختلاف حولها .. ثم من يضمن لنا استمرار حالة النقاء الفكري إن جاز التعبير للفيلسوف وهو في طور التنظير حينما يعتلي السلطة هو ذاته أو من خلال أحد المؤمنين بفكره ورؤاه أن لا ينقلب على عقبيه .. كالانقلاب الدموي الذي أصاب الفيلسوف " ماركوس أوريليوس " صاحب المبدأ القائل بأن جميع الناس إخوة ، وحينما اعتلى العرش وأصبح الإمبراطور ( 161 – 180 م ) كان هو نفسه الفيلسوف الذي يقتل الغرباء الأبرياء " للحفاظ على مملكته " ! .. أو كارتداد فلاسفة الحركة الأنثوية المتطرفة الفيمينيزم إلى حد البهيمية .. ليخرجوا علينا بحقوق في حرية الجسد وحرية الجنس لا يمكن تصور صدورها إلا عن المومسات أو أصحاب بيوت الدعارة !! لم يتبق لنا إلا أن ترتبط حقوق الإنسان بتشريع السماء وبالناحية الإيمانية ؛ لتنال القداسة التي تستحقها ، القداسة المهدرة على أيدي الفلاسفة والسلطة السياسية غير المنضبطة بتعاليم السماء .. ويكفينا تيها بشريعة الإسلام تلاقيها مع الفلسفة في نطاق الأمر بالتفكير ، و مع السلطة السياسية في نطاق التشريع لمصالح الناس ودرء المفاسد عنهم .. يكفينا تيها أساسه الموضوعية لا التعصب والهوى أن ما من حق من حقوق الإنسان إلا وكان لشريعة الإسلام السبق في تقريره والنص عليه وعلى ضمانات حمايته من الافتئات عليه .. بل ونقلت سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله وتقريراته كل هذا الحقوق إلى واقع معاش وممارسات سلوكية مأمور الناس بالاقتداء بها .. ولكل ما سبق ، وأكثر منه كثيرا ، يتضح لماذا يردد الناس إسلامية إسلامية .. و رَغِمَ أنف الجاهلين . [email protected]