عرفت الصحراء هذه البحار الصفراء ناشرة الرايات الصفر والخضراء والأصداف المتلألئة في القبة الزرقاء والنسائم العليلة والعواصف الهوجاء لطالما كانت معينًا لمطامحنا ساقتنا إليها الأقدار تدثرنا بطيب مغانمها و شقونا بوعر الأصحار كم تجرعنا الظمأ في مسالكها كم تشققت الأنامل في رمالها وتضعضعت الكواحل في مغارسها وعلى أحجارها تكسرت النصال وتشربت الوجوه في وهج نهارها السمار ووهنت العظام إليها في رحلات الأسفار الكفاح اعتذبناه مناهل من دمانا وصببناه صبا في مسارات الإعمار ابتنينا على شساعاتها أحلام الأفكار وتمازجت فيها أفراحنا مع هموم الليل وشقوة النهار امتطينا ظهور الدواب و صهوة الجرار افتلحنا بوارها واقتلعنا أشواكها وحشائشها مرارًا وتكرارًا ما يئسنا ومن أغوارها رويناها مدرارًا بشلالات الآبار ارتشفنا سحر الجبال والفيافى زلولا أطهار هنالك على صفحاتها الجديبة تمدد الاخضرار فوهب الخالق النخيل والأعناب والبرتقال آية جميلة أنشأها المبدع وجعلها محط أنظار أتذكر غمار الحصاد وبهاء الأشجار وألفة العمال والفلاحين وليل الأسمار ونشوة جمع الثمار وأشواك الصبار والليالى الكئيبة والليالى المليلة والليالى السعيدة كالأطفال فرحنا بهطول الثلوج والأمطار ومارسنا شعيرة التأمل فى خلق الثمار إعجاز ربى بعقد الأزهار فى أريج الليل وعطر الأرض ونضرة النهار فى مناحل الشمع في كهوف الأشجار فى انزلاق الثور الوليد من رحم الأبقار فى ثراء اللون القشيب في بتول الأزهار فى انفجار الخيط الأبيض من بهيم الليل في عبق الأسحار فى وميض السنابل الذهبية في حمأة النهار وبريق الشمس العائد من حبات الرمل الخاطف للأبصار وعرفنا أن لأغانى العمال الحزينة أسرار وفهمنا سر انتشاء الدواب والأطيار فتلك الصحراء مملكة سعيدة الكائنات فيها أمراء أبرار توجتها الطبيعة ذات الكنوز والأسرار وباركتها خطوات الرسل والأنبياء الأطهار يا منية النفس ما سئمناك ولا عز اصطبار لم يكن هجرك إلا مراغمًا حزينًا وإجبار ما تركناك إلا ظاهرًا بينما طيفك في القلب بلا انحسار أيا ديارا تغشتنا وسكبنا فيها نفيس الأعمار أضنانا الحنين ليتنا ما فارقنا رياض الديار