لم تكن الأزمة التى تعرضت لها نقابة الصحفيين أمس أزمة فردية تخصها بل تعد انعكاساً لمجمل الأداء السيئ للقوى السياسية منذ قيام الثورة وحتى الآن . فنقابة الصحفيين كان من المفترض أن تقام انتخاباتها أمس واستعد الجميع مرشحين وأعضاء الجمعية العمومية ولكن صدر حكم القضاء الإدارى يوم الخميس بوقف الانتخابات لأسباب أودعتها المحكمة فى حيثيات الحكم والذى كان بمثابة الكرسى الذى ضرب فى " كلوب الفرح " فقضى على البهجة وأزال الفرحة. والطريف أن الصحفى الذى أقام الدعوى لا يكاد يسمع به أحد بل هناك من يشكك فى وجوده أصلاً . وبدلاً من البحث عن الأسباب الحقيقية وراء تعطيل الانتخابات فى نقابة الصحفيين ومن قبلها تأجيل انتخابات نقابة المحامين تحت زعم الوضع الأمنى المتردى حاول البعض أن يريح نفسه من المساءلة ويلقى باللائمة على أجهزة الأمن التى لم يعد لها وجود فعلى فى حياتنا منذ الثورة وإلى الآن !! فالأزمة الحقيقية من وجهة نظرى تكمن فى تركنا الهدف الأعظم الذى كان ينبغى أن نجتمع عليه ونوقف جهدنا ووقتنا عليه وهو الإسراع نحو إنهاء الفترة الانتقالية وانتخاب حكومة ممثلة لأطياف الشعب المصرى ثم انتخاب رئيس الجمهورية ووضع الدستور الجديد ومن ثم تهيئة المناخ التشريعى والمجتمعى لإقامة انتخابات نقابية وطلابية وجامعية واسعة النطاق تعبر عن مصر بعد الثورة وتفرز قيادات تحمل روح الثورة . ولكن الحسابات السياسية كان لها رأى آخر فالجميع بلا استثناء يتصارع من أجل الفوز بنصيبه من كعكة الوطن والكل يسابق الريح من أجل " التكويش " على أكبر كم ممكن من المكاسب السياسية فى جميع مفاصل الدولة الحيوية من نقابات إلى عمداء ورؤساء كليات وصولاً إلى البرلمان المرتقب . مع أنه كان لا يضيرنا الانتظار قليلاً ريثما ننتهى من التحدى الأكبر الذى أشرت إليه حتى لا نكتشف فجأة أننا لم نرواح مكاننا وأننا قد استنفذنا جهدنا ووقتنا فيما لا ينفع بل يضر فانتخابات نقابة المعلمين مثلاً والتى أسفرت نتائجها فى المرحلة عن إزاحة غالبية فلول الوطنى من النقابات الفرعية انتهت بمهزلة بعد رفض المجالس السابقة تسليم مقار النقابات للمنتخبين الجدد فى تحد سافر لإرادة جموع المعلمين ومن قبل ذلك فى رسالة تمرد لا تخفى على أحد على الدولة وسلطانها وحتى الآن لم يتحرك أحد هذا مثال . مثال آخر ماحدث فى انتخابات عمداء الكليات ورؤساء الجامعات الذين تعرضوا لثورة عارمة عقب الثورة ووصل الاعتراض حينها مداه بالإضراب الذى أعلنه كثير من الأساتذة والطلاب من أجل إزاحة معظمهم على اعتبار أنهم من فلول النظام السابق ولكن مع إجراء الانتخابات فى هذه الأجواء فوجئنا بعودة معظم هؤلاء إلى أماكنهم ولكن هذه المرة بانتخابات حرة ونزيهة !! وليس الخلل هنا فى الانتخابات فى حد ذاتها ولكن الخلل فى تهيئة الأجواء والظروف التى لا تسمح بعودة من أفسدوا الحياة السياسية لمصر إلى واجهة المشهد مرة أخرى إذ لا يخفى ارتباط هؤلاء مع دوائر الفساد الكبرى التى مازالت تطارد من جهات التحقيق فى وقائع عدة مما يعنى توفير الحماية اللازمة لهم فى البنية المؤسساتية لمصر الثورة . كان من المفترض أن نركز جهودنا عبر محورين الأول : ملاحقة الفساد والثانى : الإسراع باختيار البرلمان ورئيس الجمهورية .. ولكننا شتتنا جهدنا وتركيزنا وبالتالى شتتنا توحد الشعب المصرى وراء قضية بعينها والذى وجد نفسه لا يكاد يفيق من قضايا لا تهمه كثيراً من عينة الدستور أولا ، والمبادىء الحاكمة ..إلخ حتى أصابه الكثير من القرف من الثورة . يا حبذا لو استفدنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لمرة الذى قال فى بداية الدعوة الإسلامية لزوجه خديجة رضى الله عنها : " لأجعلن الهم واحداً " . ركزوا جهدكم عباد الله .. وابدأوا من الأهم فالمهم .. فالتحديات أمامنا طويلة ولابد من التركيز. [email protected]