قالت الإذاعة الألمانية "دويتشه فيله"، إن قرار الولاياتالمتحدة استئناف توريد الأسلحة الثقيلة إلى مصر التي جُمدت إثر القمع الدامي لأنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي، هي خطوة يرى فيها المراقبون نهاية الفتور في التعاون العسكري بين البلدين، وحرصًا من واشنطن على إبقاء علاقات وثيقة مع حليف قديم في منطقة تمر باضطرابات عميقة. وذكرت أن القرار الأمريكي يأتي قبل وقت قصير من زيارة مرتقبة سيجريها السيسي للعاصمة الألمانية برلين بناء على دعوة منها، وبعد حوالي شهرين من تعاقد مصر مع فرنسا على شراء 24 طائرة رافال. واعتبرت الصحف الفرنسية وقتها أن السيسي يفرض نفسه حليفا للغرب في محاربة الإرهاب. بالإضافة إلى تصريحات عواصم غربية بخصوص ضرورة كسر العزلة عن مصر وجيشها، ما دفعها إلى التساؤل: فهل نجح السيسي بالفعل في خلق تقارب مع الغرب؟ هذا السؤال يجيب عليه مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة بالقول، إن "التقارب بين مصر والغرب قائم بالفعل رغم التصريحات التي تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر". لكن أهمية القرار الأمريكي كما يرى "تكمن في أنه يزيل عقبة كانت أمام استئناف علاقات طبيعية بين البلدين خاصة أن وقف المساعدات كان يعتبر نوعا من العقاب للحكومة المصرية بسبب قيام السيسي بتزعم حملة ضد حكومة منتخبة هي حكومة الإخوان المسلمين". وأضاف بخصوص خلفيات القرار الأمريكي، أنه "قد يكون السبب الأبرز في القرار هو الدور البارز الذي تلعبه مصر في محاربة جماعات إرهابية كانت موجودة قبل الإخوان وأثناء فترة حكمهم لكن نشاطها تصاعد مع خلع مرسي". وبينما يربط البعض بين قرار واشنطن والعملية العسكرية التي تقودها الرياض ضد الحوثيين في اليمن بدعم من دول عربية، منها مصر، أكدت أوساط مقربة من الرئيس باراك أوباما أن القرار لا يرتبط بالتطورات في اليمن والتدهور الأمني الحاصل فيه. وبحسب ما أكده البيت الأبيض، فقد أخطر أوباما السيسي بأن التمويل الأمريكي سيوجه اعتبارا من عام 2018، بشكل خاص نحو برامج تتعلق بمكافحة الإرهاب وضمان الأمن بمنطقة سيناء. وقالت الناطقة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، برناديت ميهان، إن هذا التطور "سيتيح ضمان التأكد من إنفاق المساعدات الأمريكية على برامج تضمن تحقيق الرؤية المشتركة للبلدين في ضمان أمن المنطقة وإلحاق الهزيمة بالجماعات الإرهابية. ويعتبر محمد المنشاوي مدير مكتب صحيفة "الشروق" المصرية في واشنطن أن هذا الجزء من القرار الأمريكي يغضب الحكومة المصرية كثيرا، إذ أنه كان بمثابة شيك على بياض لتمويل أي مصاريف مصرية مستقبلية. وأضاف "من هنا يعد قرار واشنطن مزدوج الأهداف، خاصة مع رفض البيت الأبيض الإقرار بأن مصر تشهد تحولا ديمقراطيا". أما زيارة السيسي المرتقبة لبرلين فيرى فيها المنشاوي انعكاسا لتعامل المجتمع الدولي مع "الواقع الجديد" في مصر، ويقول "ليس لواشنطن أو برلين أو غيرهما من بديل إلا التعامل مع من يحكم مصر، والتفكير بشكل براجماتي يبرر سمو مصالح الدول على أي مبادئ تتمنى وجودها". وبالإضافة إلى ذلك يعتبر أن تصاعد الحرب على الإرهاب وظهور تنظيم داعش وزيادة وتيرة العنف والصراعات المسلحة في عدة دول تسهل كثيرا من قبول الغرب بالواقع المصري الجديد. ويرى البعض في الموقف الأمريكي تجاوزا عن موضوع حقوق الإنسان في مصر رغم إعلان البيت الأبيض أن أوباما كرر أثناء محادثته مع السيسي مخاوف بلاده بخصوص سجن ناشطين سلميين والمحاكمات الجماعية، ودعا إلى احترام حرية التعبير والتجمع. ومنذ عزل مرسي قتل أكثر من 1400 متظاهر من أنصاره خلال سنة ونصف،كما سجن أكثر من 15 ألفا منهم. وحكم على مئات الأشخاص بالإعدام في محاكمات جماعية سريعة أثارت استنكارا دوليا. ويتفق كامل مع أن السيسي سيكون حليفا وصديقا قويا للغرب معتبرا أن هناك عدة عناصر تجعل منه ذلك،ويقول "سياسات السيسي لا تتناقض مع خطاب الغرب بخصوص الحرب على الإرهاب، خاصة فيما يتعلق بمساندة مصر لحكومات تصارع الإرهاب"، أما العناصر الأخرى فتكمن، حسب كامل، في علاقات مصر القوية مع إسرائيل وفتح السوق المصرية أمام الاستثمارات الغربية "كل هذا يتيح المجال للسيسي ليكون ليس مجرد حليف موضوعي، بل حليفا يحيطه الكثير من الود والاحترام". ويتساءل البعض، عما إذا كان التقارب المصري الغربي سيخفف من تبعية مصر الاقتصادية للسعودية، خاصة في ظل وجود مايعتبره بعض المتابعين إشارات بأن العلاقات بين الحليفين تمر بحالة من البرود، ومنها أن السعودية لم تظهر حماسًا كبيرا للمواقف المصرية في ليبيا، بالإضافة إلى بدء السعودية عمليتها العسكرية في اليمن قبل أيام من انعقاد القمة العربية في مصر، وهو ما ربطه البعض بحرص الرياض على أن لا ترتبط هذه العملية بموافقة مصرية. لكن كامل يتبنى رأيا مختلفا ويقول "العلاقات المصرية السعودية مازالت قوية بدليل التعاون العسكري بينهما في اليمن، كما أن السعودية دعمت مقترح مصر بإنشاء قوة عربية. ولا ننسى أن مليون مصري يعيشون في السعودية ويحولون أموالا لمصر". أما المنشاوي فيعلق على هذه النقطة قائلا "لا أعتقد أن السيسي يمتلك ترف السماح بعلاقات متوترة مع الرياض. الملك سلمان مهتم ببناء جبهة سنية لمواجهة النفوذ الإيراني وهو يريد دورا أكبر لتركيا وقطر وهذا قد يغضب مصر. لكن السيسي لا يملك الكثير أمام ذلك". ويرى المنشاوي أن مصر لا تملك بدائل أخرى غير الغرب والخليج ويقول "الحديث عن البديل الروسي أو الصيني مبالغ فيه فالوضع الاقتصادي الروسي متأزم والصين لا تمنح منحا مالية دون ردها".