ورحل "خطيب تنظيم القاعدة".. "المتحدث اللبق، الذي ألْهَم الكثير من الشباب بالولاياتالمتحدة وخارجها"، بعدما سقط بصاروخ أطلقته طائرة من دون طيار أمريكية باليمن، بهذه الكلمات أذاعت شبكة "سي إن إن" الأمريكيَّة نبأ مقتل أنور العولقي أول مواطن أمريكي يوضع على قائمة المطلوبين ل السي آي ايه. مقتل العولقي.. جاء بعد أسبوع بالتمام والكمال على عودة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى اليمن، بعد فترة علاج طويلة في السعوديَّة إثر محاولة اغتياله، ليفتح الباب أمام المحللين في شئون الاستخبارات، الذين لا يرون أنَّ الأمر جاء من قبيل مصادفة، ذلك أنّه بمقتل العولقي، فإنَّ صالح يوضح للغرب أنهم ما زالوا بحاجته. فهل هناك علاقة بالفعل، بين عودة صالح ومقتل العولقي؟! أم أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما قررت تصفية كبار قيادات تنظيم القاعدة واحدًا تلو الواحد؟ بعد مقتل أسامة بن لادن، إنْ لم يمكن لغلق ملفاتهما فإنّه سيكون دفعة قوية لأوباما في الانتخابات الرئاسيَّة المقررة العام المقبل. العولقي.. من هو؟ وُلد العولقي (1970 - 30 سبتمبر 2011) لأب وأم من أصل يمني في مدينة نيو ميكسيكو, والده ناصر العولقي حصل على الماجستير في الاقتصاد الزراعي في جامعة ولاية نيو مكسيكو في عام 1971, وحصل على الدكتوراه في جامعة نبراسكا, وعمل في جامعة مينيسوتا عام 1975-1977, عادت عائلة العولقي إلى اليمن، حيث درس أنور العولقي في مدارس آزال الحديثة, والده شغل منصب وزير الزراعة ورئيسًا لجامعة صنعاء, ورئيس وزراء اليمن علي محمد مجور، هو أحد أقرباء العولقي. عاد العولقي إلى كولورادو في عام 1991، وحصل على B.S في الهندسة المدنية من جامعة ولاية كولورادو (1994)، كما حصل أيضًا على شهادة الماجستير في القيادة التربوية من جامعة ولاية سان دييجو، وعمل على درجة الدكتوراه في تنمية الموارد البشريَّة في واشنطن جورج، وكلية الدراسات العليا جامعة التربية والتعليم والتنمية البشرية من يناير إلى ديسمبر 2001. العولقي وأمريكا ارتبط اسم العولقي في السنوات العشر الماضية بسلسلة من الهجمات بدءًا من هجمات سبتمبر 2001 ومرورًا بحادث إطلاق النار في قاعدة أمريكيَّة عام 2009، ومرورًا بمحاولة التفجير الفاشلة لطائرة أمريكية يوم عيد الميلاد عام 2009 وأخيرًا محاولة تفجير فاشلة في نيويورك عام 2010. فرَّ العولقي في ديسمبر 2007 إلى اليمن، وانتشرت خطبه ومواعظه على شبكة الإنترنت، والتي نادى فيها "للجهاد" ضد أمريكا "الشيطان الأكبر" على غرار خطب ابن لادن. ومن ثَمَّ وضعت الولاياتالمتحدة اسمه ضمن قائمتها المزعومة للمطلوبين، مما يعني أنه كان مطلوبًا حيًا أو ميتًا، وتقول واشنطن إنّه الزعيم الروحي لما يسمى ب"تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، ويعتقد أنَّه كان يختبئ في جبال محافظة شبوة وسط اليمن، حيث يتمتع بحماية قبليَّة. صَعد نجم العولقي عام 2009 بعدما اتهمته واشنطن بأنه كان على اتصال وثيق بالرائد نضال حسن الطبيب النفسي العسكري الفلسطيني الأصل المتهم بإطلاق النار على زملائه في ثكنة فورت هود في تكساس مما أسفر عن 13 شخصًا في نوفمبر 2009. وفي خطبه، دعا العولقي جميع المسلمين في صفوف الجيش الأمريكي إلى الاقتداء بما قام به نضال حسن. ثم اتهم بأنه كان على علاقة بمنفذ محاولة التفجير الفاشلة لطائرة أمريكية كانت تقوم برحلة بين أمستردام وديترويت يوم عيد الميلاد 2009 والتي اتهم فيها الشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب. وحينها، قالت مصادر أمريكيَّة: إنَّ العولقي التقى في نوفمبر أو ديسمبر من العام 2009 مع عمر فاروق عبد المطلب في جامعة الإيمان باليمن، حيث كان الأخير يدرس اللغة العربية. وذكرت مصادر أمنيَّة أمريكيَّة أنَّ عبد المطلب تلقى حينها التدريبات والتلقين النهائي لتنفيذ مهمته، وقد أقرّ العولقي بأنَّه التقى الشاب النيجيري، ولكنه نفى أي تورط له في المحاولة. وفي أبريل 2010، أعلن مسئول أمريكي أنَّ إدارة اوباما سمحت باغتيال العولقي، بعدما خلصت وكالات الاستخبارات الأمريكيَّة إلى أنَّه شارك مباشرة في مؤامرات ضد الولاياتالمتحدة. وفي مايو 2010، اعترف فيصل شاه زاد وهو أمريكي من أصل باكستاني اتُهم بمحاولة تفجير فاشلة في "تايمز سكوير" بنيويورك بأنَّ خطب العولقي كانت ملهمة له، بحسب ما قال مسئول أمريكي. وفي يناير 2011 أصدرت محكمة يمنية حكمًا غيابيًا على أنور العولقي بالسجن 10 سنوات لصلته بمقتل مهندس فرنسي. كما أعلن وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا في يوليو 2011 أنَّ الزعيم للقاعدة أيمن الظواهري وأنور العولقي على رأس قائمة المستهدفين من قيادات القاعدة بعد مقتل بن لادن. أهمية اغتياله يرى مراقبون أنَّ الإطاحة بالعولقي في غارة جويَّة لن يكون له سوى تأثير نسبي على فرع تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربيَّة" المتحصن في اليمن، رغم تقديم واشنطن لهذا العمل على أنَّه انتصار كبير. وقال الباحث اليمني المتخصص في شئون الجماعات الإسلاميَّة نبيل البكيري لوكالة الأنباء الفرنسيَّة، إنَّه "لن يكون لمقتل العولقي أي تأثير في مستقبل القاعدة"، مشيرًا إلى أن الرجل "لم يكن يتمتع بأي مكانة تنظيميَّة". وشدد البكيري على أن "القاعدة موجودة قبل العولقي وبظهوره لم يضف أي شيء سوى أنه يجيد اللغة الإنجليزية، وكان لديه قدرة على التخاطب مع الخارج". إلا أنَّ مراقبين آخرين يرون أن مقتل العولقي يمكن أن يُضعِف التنظيم بشكلٍ مؤقت، وقال الباحث محمد سيف حيدر، إنَّ "مقتل العولقي، وهو بمثابة الأب الروحي للتنظيم، يُضعف القاعدة بالتأكيد". وأشار إلى أنَّ إزاحة العولقي من المعادلة "ستدفع القيادة الباقية إلى إعادة حساباتها وتكتيكاتها"، كما تَوَقع حيدر ألاّ تقوم القاعدة برد ثأري فوري "حتى تعيد تنظيم صفوفها". وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، الأمريكية أنه حتى عامين لم يكن الكثيرون في اليمن والعالم العربي يسمعون عن أنور العولقي الذي وصف أوباما مقتله بأنه صفعة قوية لتنظيم القاعدة. وأردفت الصحيفة أنَّه في الوقت الذي رأى فيه المسئولون الأمريكيون أنَّ نهاية العولقي هي خسارة كبيرة أخرى للقاعدة، استقبلت أنباء تصفيته بشكل آخر في الشرق الأوسط في أحدث مؤشر على التباين والاختلاف بين الأهداف الأمريكية والتوجهات العربية، موضحة أن الحقيقة هي أن صوت العولقي لم يكن له صدى تقريبًا في منطقة تقف مشلولة بسبب الثورات التي تجتاحها. دور صالح لاشك أنَّ للرئيس اليمني علي عبدالله صالح دورًا في اغتيال العولقي، لكن ما الفائدة التي ستعود عليه بعد اغتياله، إذ أنه لا يملك الآن أوراقًا لاستمراره في قمع المتظاهرين، وترى صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية أنّ مقتل العولقي خسارة كبيرة لصالح، الذي تعاون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية للفتك بالعولقي، واصفة صالح بأنّه قتل "الأوزة" التي تبيض له بيضًا ذهبيًا، حيث أصبحت الإطاحة به أسهل وأقرب منها في ظل العولقي، فضلاً عن خسارته ملايين الدولارات التي كان يتسلمها للقضاء على ما يسمى ب"الإرهاب". من جانبها، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إنَّ مسئولين يمنيين قدموا معلومات ساعدت في قتل وتعقب العولقي، ونقلت الصحيفة عن مسئول يمني رفيع المستوى أنَّ اليمن قدمت للولايات المتحدةالأمريكية معلومات استخباراتية حول مكان وجود العولقي, بعدما حصل الأمن اليمني على هذه المعلومات من أحد أفراد تنظيم القاعدة، الذي تم القبض عليه مؤخرًا. وتقول الصحيفة: إن توقيت مقتل العوالقي أثار التكهنات بأن الرئيس اليمني هو الذي دل أمريكا على مكان وجود العولقي وذلك لتخفيف ضغط الولاياتالمتحدةالأمريكية عليه لمغادرة البلاد. وأضافت أن مسئولي الأمن اليمنيين قدموا معلومات تُفيد بأنَّ العولقي متواجد في منزله صباح الجمعة 30 سبتمبر بقرية الخسف في محافظة الجوف، وهي قرية نائية تقع في الصحراء بعيدًا عن سيطرة وسيادة الدولة، وهو ما فسره البعض بأن صالح يقدم قربانًا لأمريكا للبقاء في منصبه، وأن العولقي كان كبش الفداء. ملاحقة شهرين ظلت طائرات المخابرات الأمريكية "سي آي أيه"، تراقب العولقي لمدة شهرين –بحسب مصادر يمنية-، وحينما تأكدت من وجوده بين مأرب والجوف، استهدفته طائرة تجسُّس أمريكية وقضت عليه. وأفادت قناة "الجزيرة" الفضائية نقلاً عن الشيخ أبو بكر العولقي- أحد وجهاء قبيلة العوالق التي ينتمي إليها أنور- قوله: "إنّ الغارة وقعت على طريق صحراوي بين الجوف ومأرب، حيث انتقل وجهاء من "العوالق" لمعاينة الجثامين، لكنهم "لم يتمكنوا من التعرُّف على هوية الضحايا بعد أن تحولت إلى أشلاء وجثث متفحمة". وأشار إلى أنّهم أبلغوا أن الموكب المستهدف ضم سيارتين، إحداهما تقلّ العولقي وحارسه ودمرت تمامًا، وقد تناثرت أشلاء الضحايا في محيط الانفجار، وجمعت في قطع قماش وأكياس بلاستيكية. المصدر: الإسلام اليوم