بعد أن أحدثت "وثيقة الأزهر" حراكا نخبويا وشعبويا ملموسا، جاء بعدها حراك آخر يعود به الأزهر إلى بريقه وحيويته ودوره، ويدشن لمرحلة جديدة تعيد للأزهر رؤيته ومكانته. هذا الحراك الجديد هو: (مكتب رسالة الأزهر) الذي يرعاه ويتبناه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ورابطة خريجي الأزهر، هذا المكتب أنشئ حديثا ليعيد ثقة الأزهريين بأنفسهم، إيمانا بأصالة الدور التاريخي للأزهر، وإحياء لقيم الأزهر الشريف في قلوب أبنائه ومحبيه. إن قضية إنتاج خطاب أزهري رصين ومؤصل يبين حقيقة المنهج الأزهري وأصالته من خلال إعادة تنشيط العقل الأزهري وتنمية قدراته في ضوء متطلبات الحاضر وتحديات المستقبل تبدو غلابة على (مكتب رسالة الأزهر) من خلال الكتابات والندوات والمؤتمرات والقوافل الدعوية التي يقوم بها. ويبدو لي أن التاريخ الفقهي والفكري السني سيشهد اجتهادات أزهرية خلاقة في المرحلة القادمة، كما شهدها مع السابقين أمثال الأئمة: حسن العطار والمراغي والطهطاوي وشلتوت ودراز والغزالي وهلم جرا. يلاحظ هذا من قراءة البيان التأسيسي للمكتب الذي جاء فيه: ( إن مكتب رسالة الأزهر يعمل على صياغة وبلورة وصناعة الخطاب الأزهري المستبصر مع الكشف والإبانة عن العمق الأزهري المتجذر في أعماق المجتمع المصري، والكشف عن معالم الجلال والشموخ لعلماء الأزهر، والمواقف التاريخية المجيدة، التي وقف فيها الأزهر حارسا أمينا على شعب مصر الكريم، مع الإيضاح لكيفية قيام الأزهر بمواريث النبوة، وتحمل أمانة الدين، وتلقي العلوم الشرعية عبر دوائرها المختلفة، مع العكوف على صناعة العالم الأزهري المتين، ثم الكشف عما هو كامن وراء كل هذه العلوم والأحداث والمواقف الأزهرية التاريخية من المنهج الأزهري العريق المنضبط). لقد أخذ ( مكتب رسالة الأزهر) على عاتقه أن يقوم على استرفاد خطاب أزهري متعدد الوجوه، متعدد الرؤى، أصيل المنبع، يمثل فَرادة بين أطروحات ضجيجية امتلأت بها الساحة المصرية . فعمل المكتب على إصدار شهرية: 1 سلسلة الأوراق البحثية: وخطابها موجه للمتخصصين، وجاء الإصدار الأول بعنوان:(الأزهر وأثره في صناعة الشخصية المصرية) للدكتور رشوان أبو زيد الأستاذ بجامعة الأزهر. 2 كتاب دوري عنوانه (رساله الأزهر). 3 سلسلة النشرة الدعوية التي تخاطب الأئمة والدعاة. إنه لمولد فجر جديد للأزهر على نحو يعيد الصورة الذهنية للأزهر الشريف إلى مكانتها اللائقة، بزغ هذا الفجر مع (مكتب رسالة الأزهر) وإصداراته الأولى التي نقرأ فيها أبحاثا غاية في الأهمية والانتخاب إن على مستوى الموضوع أو التوقيت من شباب باحثين جمعهم الانتماء والوفاء والولاء للأزهر الشريف. فالباحث يوسف سفاني يقدم علما من أعلام الأزهر، ومحمد عبد اللطيف يشرح: دورالأزهر كجامعة كبرى، ومحمد الصياد يبين: كيف قام الأزهر بتأمين أهل الكتاب، وأحمد ربيع يحلل: الأزهر وثورة يناير وحتمية التلاقي قراءة في صناعة المستقبل. وأما الشيخ أسامة الأزهري فيرد شبهة عن الأزهر ويشرح: كيف اختار الأزهر مناهجه؟ ويؤسس: الإحياء الكبير لمعالم المنهج الأزهري المنير. إن (مكتب رسالة الأزهر) لا يخدم أبنية وجدرانا ولا رجالا وأشخاصا، فالأزهر ليس هذا، وليس أنشطة وأحداثا، ولا فتاوى وآراء، بل شئ آخر أعمق من كل ذلك، ويحرك كل ذلك، إنه منهج معتمد ومنضبط في فهم الدين، ووعاء مستوعب للعلوم والمعارف مع مناهج فهمها وتحليلها مصحوبا بكيفيه فهم الواقع وتكييفه. ومن هنا فإننا نلاحظ من خلال قراءتنا لرؤية المكتب أن هذا الطرح لا يقتصر في فهمه للمنهج الأزهري على الشواهد النصية بل يضم إليها الدلالة التي تنتظم من خلالها العلاقة بين النص والظروف المحيطة paratexte ليتحول المنهج إلى مادة حية. فليس بمستغرب أن ينتفض أبناء الأزهر الشريف في خدمة أزهرهم الأنور، سعيا منهم لنزع فتيل الأزمات بين التيارات ذات المشارب الفكرية المتعارضة، ليمثل الأزهر بوتقة ترجع إليها كآفة التيارات الإسلامية والليبرالية لأنهم جميعهم أو بالأحرى جلهم يسلم بمرجعية الأزهر أو هكذا يجب أن يكون إن (مكتب رسالة الأزهر) الذي يديره الدكتور محمود حسن، ويشرف عليه الشيخ العلامة أسامة السيد الأزهري برعاية فضيلة الإمام الأكبر ليس غريبا عليه أن يعيد إنتاج الخطاب الأزهري الرصين الجاد الذي نحتاجه اليوم قبل الغد. [email protected]