هل يمكن أن تمثل غضبة الشعوب الإسلامية ضد الإساءات الغربية للرسول بداية انتفاضة الجسد الإسلامي الموبوء بالتخلف والانحطاط والمستسلم للطغاة والمستبدين ؟ .. أم تكون مجرد ارتعاشة وقتية سرعان ما يضعف تأثيرها وتخفت جذوتها وتعود الأوضاع إلى سابق عهدها ؟ .. وهل ما نشهده هذه الأيام من تصاعد الاحتجاجات في الشارع الإسلامي .. هو مؤشر لوعي جديد يتشكل في وجدان الأمة يمكن أن يستنهض قواها ويفجر طاقاتها ؟ .. أم تكون مجرد صرخات موجوعة يائسة لمريض اشتد وجعه وطال مرضه حتى استفحل دائه ويئس الناس من شفائه ؟ .. هذه برأيي أهم التساؤلات المثارة في موضوع الكاريكاتير (الدنماركي) المسيء للرسول الكريم (صلى الله علية وسلم) .. وأهم النقاط المستخلصة في القضية المشتعلة في أرجاء العالم الإسلامي .. فالشعوب الإسلامية يجب أن تستثمر هذه الحالة الطارئة من اليقظة الشعورية وتعمل على تطويرها للوصول إلى حالة الوعي الكامل المنفتح على الحقائق .. ينبغي أن يدرك الناس أن احتلال القدس والعراق وقتل الفلسطينيين والعراقيين على يد الاسرائيليين والأمريكان .. هو فعل اشد خطرا عليهم وأعظم جرما عند الله من رسم كاريكاتيري مسيء للرسول خطه رسام دنماركي متعصب في إحدى الصحف المحلية محدودة التوزيع .. فإلى من يوجه المسلمون غضبتهم ومن يستحق لعناتهم وثورتهم ؟ .. ومن جانب آخر ينبغي أن يدرك الناس أن الاستبداد والفساد الذي يعيث في بلادنا نهبا وطغيانا ويمارس البطش والتنكيل بالناس تعذيبا واعتقالا لسنوات طوال من دون تهمة أو جريرة .. هي أسباب كافية للغضب والانتفاضة .. أكثر من العوامل الخارجية الأخرى المتمثلة في إهانات الغرب لرموز الإسلام .. فقد أهينت الشعوب في الداخل قبل أن تهان من الخارج .. فلماذا إذن تحتاج شعوبنا لعامل خارجي يحفزها ويشحن طاقاتها للفعل ورد الفعل وعندها العديد من الأسباب الداخلية ؟ .. إن إهانة المقدسات الإسلامية وإهدار الحقوق الإنسانية تم منذ زمن بعيد في بلادنا على يد نفر من بني جلدتنا .. وهو الذي شجع الموتورين والمتعصبين في الخارج على ارتكاب هذه الإساءات . وللغرابة الشديدة نجد الآن من يركب الموجة لمنافقة الناس ويطل عليهم معلنا رفضه لإهانة الرسول .. وهي موجة يريد الجميع ركوبها في بلادنا .. من ينادون بالإصلاح ، ومن يقومون بالإفساد .. الحكومات المستبدة ، والحركات المعارضة لها .. من يحب الإسلام ورسوله وعلى استعداد لبذل نفسه فداء له .. ومن ينافق الناس للتعمية على الفساد والهرب من استحقاقات الإصلاح .. هي مفارقة غريبة بلا شك .. ولكنها حيلة خبيثة يجب ألا تنطلي على الناس .. وقد أعجبني قول للدكتور عبد الوهاب المسيري في هذا السياق أكد فيه أن حكامنا جعلونا نحارب الجبنة الدنماركية بدلا من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي !!.. إذا أراد الناس معرفة الحقيقة في هذا الأمر فيجب عليهم أن يسألوا : لماذا أبدت حكوماتنا رفضها واستنكارها تجاه الرسوم الدنماركية وطالبت الحكومة الدنماركية باعتذار صريح ورسمي ؟ .. ولماذا سمحت للناس بالتظاهر في الشارع وقام شيخ الأزهر بقيادة إحدى مظاهرات الطلبة ؟ .. في حين لم نر أيا من هذه المواقف والأنشطة في موضوع تدنيس القران الشريف على يد الأمريكان في جوانتانامو ؟ .. أو ضد المحاولات الإسرائيلية لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه ؟ .. كما يجب أن يسألوا شيخ الأزهر وهو رجل متفقه في الدين ويعرف أن حرمة دم المسلم اكبر عند الله من حرمة الكعبة ذاتها ، كما جاء في الحديث الشريف .. فلماذا صمت (ويصمت) عن القتل اليومي للفلسطينيين والعراقيين ، وتعذيب أبو غريب .. ولماذا لم نسمع صوته مرة واحدة ينتقد موقفا داخليا أو خارجيا يتعارض مع وجهة نظر النظام ؟! .. إن ما نريد قوله في النهاية إن هذه الحملة الشعبية الكبيرة في حب الإسلام ورسوله والمنتشرة من الرباط وحتى اندونيسيا يجب فرزها من الأطراف المنتفعة .. كما يجب استثمارها وتطويرها نحو الاتجاه الصحيح لتلحق بالذين ظلموا الشعوب وأصابوها بالتخلف ..