لا أعرف سر الاهتمام المبالغ فيه للقيادة المصرية تجاه ما يسمى "تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة لحماية الأمن القومي العربي والتصدي للإرهاب" ، حيث أصبحت تلك الدعوة محور الارتكاز الأساس للخطاب الديبلوماسي العربي في أي محفل وأي لقاء على مستوى الوزراء أو حتى على مستوى القادة ، وقد أعلنت الخارجية المصرية أن هذا المقترح سيكون على رأس المقترحات التي تقدم للقمة العربية المقبلة التي ستعقد خلال أسابيع ، وفي تقديري أن هذا الاقتراح هو مجرد ملأ فراغ سياسي وديبلوماسي والبحث عن دور بأي طريقة في الوقت الذي فرغت فيه صناديق مصر السياسية والديبلوماسية من أي مقترح حقيقي وجاد في احتواء مشكلات المنطقة العربية بشكل عقلاني وعادل . مثل هذه القوة المقترحة يشترط لتحققها ووجودها عدة شروط ، وكلها غير موجودة حاليا ، وفي مقدمتها وجود إجماع عربي على تعريف محدد لمفهوم الإرهاب ، وهو مفهوم مضطرب جدا حاليا ، وهناك انقسام واسع بين الدول العربية تجاهه ، وباستثناء تنظيم داعش ، وإذا أخذنا قضية جماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال ، وهي مصنفة في مصر كمنظمة إرهابية ، فهل يمكن استخدام قوة عسكرية عربية موحدة لملاحقة الجماعة حيثما كانت ، وكيف إذا كانت أغلب الدول العربية لا تصنفها كذلك ، وفي مقدمتهم الجزائر والمغرب وتونس ، وبطبيعة الحال ليبيا التي يشكل الإخوان عصب حكومتها الأكثر سيطرة في البلاد "حكومة المؤتمر الوطني" الحاكمة في طرابلس العاصمة ، وبطبيعة الحال الأردن وأيضا اليمن والكويت ولبنان والعراق ، وكل بلد من هؤلاء له خصوصياته في التعامل مع الإخوان ، حتى من لا يشركهم في الحكم أو السلطة فهو لا يصنفهم كحركة إرهابية لاعتبارات سياسية وأمنية خاصة بالبلد ذاته ، فكيف يمكن أن نجمع القوة العربية المشتركة على عمل موحد تجاه الإخوان مثلا ، أيضا في بلاد مثل العراقوسوريا هناك معادلات مختلفة جدا في مفهوم الإرهاب ، فالائتلاف الوطني للمعارضة السورية وهو المعترف به دوليا وعربيا من خلال قرارات قمة عربية يصنف سلطات بشار باعتبارها سلطات إرهابية ، والعكس مطروح أيضا ، والحكومة الطائفية في العراق تصنف الثورة السورية وقواها المختلفة بأنهم حركات إرهابية كما تصنف أحزابا وقوى سياسية سنية في العراق نفسه كمنظمات إرهابية ، بينما صنفت الإمارات على سبيل المثال عدة منظمات عراقية مشاركة في الحكم هناك بوصفها منظمات إرهابية ، وعلى ذلك يمكن أن تقيس . أيضا ، هناك تباين واسع جدا في الموقف السياسي والعسكري والأمني للدول العربية حيال أزمات مفصلية ، مثل أزمة سوريا والأزمة الليبية والأزمة اليمنية وقضية البوليساريو بين المغرب والجزائر ، فكيف يمكن أن توظف القوة العربية المشتركة في التدخل هنا ، بل كيف يمكن تحديد ملمح الأمن القومي ، هناك دول عديدة ومعظم الخليج العربي منها ترى أنه لا بديل عن الإطاحة ببشار الأسد ونظامه ، ومصر لا ترى ذلك ، وبالمقابل مصر ترى ضرورة التدخل في ليبيا للإطاحة بحكم الإخوان في طرابلس وتمكين خليفة حفتر وبرلمان طبرق المنحل ، بينما الجزائر وتونس والمغرب والسودان لا ترى ذلك ، ودول أخرى مثل اليمن والعراقوالكويت ولبنان والأردن لا يعنيه الموضوع واختياراته ، فكيف يمكن أن تطلب من قوة مشتركة من كل هذه الدول التدخل العسكري في هذه الملفات . وإذا لم يكن ملف الإرهاب أو تلك الملفات الأخرى العالقة التي أشرنا إليها هي مجال التدخل أو الحاجة لقوة عسكرية عربية ، فهل يمكن أن يشرح لنا مسؤول مصري أو ديبلوماسي مصر ما هي الحاجة الآن لهذه القوة إذن ، وما دورها ، ولماذا الإلحاح على تشكيلها ، وهل تكفي فزاعة داعش في العراق لمثل هذه الفكرة ، وهل يتصور أن تشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة سيكون لمهمة محدودة وقصيرة المدى وعارضة مثل هذه ، وإذا كانت هذه المهمة عاجلة وملحة ولا بد من الإسهام فيها ، فالأمر مفتوح للمشاركة بشكل فردي وربما بتحالف محدد بين أكثر من دولة لعمل محدد ، بنفس طريقة تحرير الكويت ، أما هذه "الهوجة" من الحديث عن أهمية وأولوية تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة لحماية الأمن القومي العربي فهي خيال بعيد جدا عن مقتضى الواقع .