أعترف بأنه أصابني الذهول أمس وأنا أقرأ بيان القيادي الحوثي ضيف الله الشامي بأنه ينزل ضيفا رسميا على القاهرة لمقابلة عدد من المسؤولين وتعزيز أواصر التعاون بين اليمن ومصر ، وأنه مشكورا قال أن أمن مصر من أمنهم واستقرار مصر من أهدافهم وأنهم يتضامنون مع القاهرة في حربها على الإرهاب والتطرف ، الواقعة حدثت في الوقت الذي كان فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي في العاصمة السعودية "الرياض" للاجتماع بالملك سلمان في حدث وصف بالمهم والحساس في موضوعاته وفي توقيته ، ولا أدري من الذي وجه الدعوة إلى الحوثيين ومن العبقري الذي اختار هذا التوقيت ، هل الدعوة كانت من الخارجية أم من رئاسة الجمهورية أم من جهة أمنية ، غير معروف أي تفاصيل ، إلا أن الواقعة ربما تكشف عن تخبط واضطراب كبير في إدارة السياسة الخارجية لمصر . الحوثيون قوة إيرانية في اليمن ، وشوكة إيرانية في خاصرة الخليج ، مهما كان النسيج القتالي والتنظيمي المحلي لها ، مثل حزب الله اللبناني ، التمويل والدعم والتدريب والتسليح والتغطية كلها إيرانية ، والحوثيون مثلوا تهديدا للخليج كله ، وخاصة السعودية ، والاجتماعات الخليجية الطارئة بعد سيطرتهم على صنعاء اعتبرت ما فعله الحوثي انقلابا وأن صنعاء عاصمة محتلة حاليا ، وقررت العواصم الخليجية بالكامل نقل سفاراتها إلى عدن من صنعاء التي يسيطر عليها الحوثي ، وعدم الاعتراف بأي شرعية للحوثيين أو إجراءاتهم ، وهناك ترتيبات بعضها معلن وبعضها سري لدعم بعض القوى المحلية في اليمن لمساعدتها على التصدي لخطر الحوثيين ، بما في ذلك الإمارات ، الحليف الأوثق لمصر حاليا ، وفي ظل كل تلك الأجواء تقرر القاهرة استقبال وفد رسمي من الحوثيين ، ما هذا الهراء . هناك ملفان ، على قدر كبير من الحساسية بالنسبة للخليج العربي حاليا ، وهما الملف اليمني والملف السوري ، وهناك إجماع خليجي على موقف محدد من الملفين ، لا وجود لبشار الأسد في أي ترتيبات سياسية جديدة في سوريا ، بعد المذابح المروعة التي ارتكبها والإرهاب واسع النطاق الذي ولدته أجهزته الاستخباراتية ، والجرائم التي أدت إلى تهجير ملايين السوريين وتدمير البلد لحرصه على البقاء على رأس السلطة هو وطائفته مدعوما بحشد إيراني ضخم ، مالي وعسكري ، وحشد عسكري كبير من ميليشيات شيعية لبنانية وعراقية وأفغانية ، وتحالفه من إيران لمحاصرة الخليج وإخضاعه ، ومعركة سوريا بالنسبة للخليج ، وخاصة بالنسبة للسعودية معركة وجود ، ولا تقبل الحل الوسط ولا القسمة على اثنين ، الموقف المصري من الملف السوري يختلف تماما ، ومصر تعتبر مشكلة سوريا هي مشكلة مواجهة الإرهاب وحفظ الدولة السورية من الانقسام ، هذا كل الخطاب المصري باختصار ، والفراغات فيه معروفة . الملف الآخر هو الملف اليمني ، ومثله مثل الملف السوري ، معركة وجود بالنسبة للخليج والسعودية بشكل خاص ، والحوثيون يعتبرون السعودية عدوهم الأكبر ، الإيرانيون يعتبرون سيطرة الحوثيين على صنعاء انتصارا لهم وأن ذراعهم العسكري والأمني تمتد الآن من الخليج إلى البحر الأحمر والبحر المتوسط ، والموقف المصري من الحوثيين غير واضح حتى الآن ، بل إن بعض المواقف والتصريحات تشي بأن هناك من يفكر بالفعل في صناعة جسور مع الحوثيين ، ربما برعاية روسية ، وأتى استقبال الوفد الحوثي أمس لكي يؤكد المخاوف . السيسي يعلن بوضوح أن الخليج هو السند الأهم الذي تستند عليه مصر حاليا ، وأنه لولا هذا العون الخليجي الضخم لاختلفت الأمور في مصر ، والقاصي والداني يعرف أن الخليج إذا رفع يده عن مصر الآن فإن سلسلة من الانهيارات الاقتصادية والاجتماعية ستنهي كل شيء في أشهر قليلة ، فعلى أي شيء يراهن السيسي إذن في موقفه من سوريا ومن اليمن ، وهل يتصور أن إمساك العصا من المنتصف في ملفات بالغة الخطورة كهذه يمكن أن يقبله الداعمون في تلك الظروف المتشنجة والعصيبة . ما يحدث من اضطراب في إدارة ملفات السياسة الخارجية الإقليمية هو جزء من الأزمة الأشمل التي سبق وأشرت إليها ، أزمة غياب الرؤية .