إن الجريمة التي يقترفها "بعض"الإسلاميين في حق الدعوة التي إليها ينتسبون ، وبمبادئها يتشرفون ، بل ليس لهم كيان ولا ذكر إلا بها " وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ " - حينما يجترون بعد الثورة من الماضى القريب أو البعيد حال (بعض) التيارات التى لا تتبني المشروع الإسلامي بشموله وتكامله في البناء والنهضة ، من ممارسات دكتاتورية ، وممالأة للغرب علي حساب مصلحة الوطن والأمة ، ووقوف (بعض) آخر منها داعما لهؤلاء الديكتاتوريين دعما معنويا من خلال المنابر الإعلامية ، أو حتى بالرضا والسكوت عن جرائمهم - كل ذلك لاينهض لتبرير (حالة فقدان التوازن) المستعرة حينا والهادئة حينا آخر عند البعض ، فنفقد قيما وأخلاقا هي من مبادئ الدعوة الإسلامية نفسها مثل قيمة احترام الحريات العامة (كحرية الرأى والاعتقاد والنقد ، وغيرها ) ، أو قيمة الديمقراطية فى أبسط تعريفاتها ، أو قيمة احترام الإرادة الإنسانية في الفعل والترك بالضوابط الأخلاقية والقانونية ، أو قيمة المواطنة ، بل وكل القيم التى تتشكل منها فكرة (مدنية الدولة) والتي هي من الإسلام قطعا ... أقول : إنه لا مبرر إطلاقا في أن يغالب البعض سنن الله في تغيير الأنفس والمجتمعات فيقفز - بفقر في المواهب والإمكانات - على هذه السنن بدعوى الحرص والحمية للدين .. فالدين هو من يوجب رعاية السنن و يدعو إلي التماسها .. إن مراعاة سنن الله في تغيير الأنفس والمجتمعات ، ومراعاة قيم الإسلام ومبادئه في السياسة والاجتماع ، بل وفي كل شئون الحياة ، والتماس الوسائل المادية والمعنوية التي لا تنفصل عن هذه القيم في تحقيق الأهداف - لهو السبيل السريع والعاجل والطبيعي إلى تقليص مدة التغيير اللازمة لعملية النهضة . وأري من غير الصواب – إن لم يكن من الحرام - أن ينفصم (بعض) الإسلاميين في شخصياتهم عن مشروعهم الإسلامي الشامل والمتكامل العادل والحكيم - " تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" - انفصاما يبرز تناقضهم في نظر المجتمع سواء كان انفصاما في الفكرة وتطبيقاتها أو في الخطاب والعمل به ، أو في الأهداف والوسائل ، انفصاما تكون فيه القيم حاضرة إذا أحببنا وتغيب إذا لم نحب ، أو تكون حاضرة إذا اخترنا التروى وتغيب إذا استبدت بنا العجلة . إنه من الممكن أن تكون التيارات التي كانت من أعداء الأمس أصدقاءً اليوم ، إذا أحسنا عرض ما لدينا من ديننا ، بغير تجاوز لسننه وقيمه ،، وقد كتبت يوما فى هذا المعنى أقول : إن الناس لا تعطي قيادها إلا لمن يتواضع لها ويتلمس مواطن إنسانيتها ، وصدق الله العظيم " فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك .."159آل عمران . إنني أربأ بنفسي وبكل مسلم يشتغل بالدعوة إلي الله -عن التعالي والكبر والهجاء والهجوم علي مخالفينا ، ودون أن نتذرع بأن هجاءنا غير موجه إلي شخص بعينه وأنه في سياق العموميات .!!. لا .. بل يلزمنا أن نستعيض عن ذلك بالإمعان في حشد الحجج والأدلة علي قضيانا (العادلة) ونقدم بين يديها صدقة من الحلم والرفق والكلمة الطيبة . ولنا في مقالة نبينا الدليل الهادى "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق". إنني ما وجدت في المجال الاجتماعي والسياسي - علي وجه التحديد - أمرا هو أشد شينا وأكثر دمامة ؛ من التزام أسلوب التعبئة العاطفية واستنفار العدد من الناس ليخمدوا (بمجرد) علو أصواتهم أصوات مخالفيهم ، فتتحول المعارك الفكرية إلي معارك صوتية ، معيار القوة بها المكاثرة بالحناجر الجهورية والمنابر الإعلامية ...وليست بالحجج الدامغة والبراهين الساطعة والأخلاق الآسرة . إن استخدام نفس الأساليب غير الراقية وغير الشريفة التي ننتقدها في مخالفينا للبلوغ بالدعوة الإسلامية وحكمتها وعدلها وشمولها إلي حياة الناس وواقعهم متجاوزين عقولهم وإنسانيتهم وكرامتهم - لهو دليل علي ضعف الإيمان وخبث الطوية ، وفقر شديد في المواهب ، وإساءة للإسلام الذي ندعوا إليه من حيث نظن أننا إليه نحسن !!.. وما أحكم قول ربنا " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم "34فصلت . ولله در شيخنا الدكتور القرضاوى حين وصف ميدان التحرير وما جرى فيه بالمدرسة الحقيقية للحياة الإسلامية : (ميدان التحرير هو المدرسة الحقيقية للحياة الإسلامية ففيه كان الإنسان يفدي أخاه الإنسان ، ويكتفي بالقليل ، ويصبر على الجوع والعطش ، ويتحمل الأذى) موقع الشيخ القرضاوى ومعلوم لدى الكافة حقيقة النسيج الوطني والفكري والعقائدي والأيدلوجي الذي تشكل منه ثوار ميدان التحرير. أخيرا أقول : إن الذي خلق النفس فسواها ، وألهمها فجورها وتقواها ، فعل ذلك بحكمة لا تخفى على أولي الألباب ، وعلى أولي الألباب أن يلتمسوا في نفوس الآخرين الخير والنزوع إلي التقوي والعمل الصالح ، فيدعموه بما أوتوا من قوة ، وأنا علي يقين أن التشجيع والتحفيز العاقلين يعملان في الشخص ما لا يعمله التبكيت والازدراء .. والمؤمن المنصف متواضع الخلق رقيق النقد يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، فاللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا ، وقنا شر نفوسنا والنار . تلك كلمات أخص بها " الإسلاميين" المبلغين عن الله دينه ، وإن كانت شرفا ورفعة لمن يرعاها من غيرهم . [email protected]