مبارك لم يجهز على مصر بمفرده ، بل عبر أعوان وشركاء وأنصار منهم المعروفون بالاسم كالوزراء السابقين ورجال المال الفاسدين ، ومنهم من عاش في الظل مثل الكثير من شرائح المجتمع التي كرست لظلم مبارك من خلال سلبيتها ، مؤثرة السلامة " والمشي جنب الحيط " .. منهم من توافر في أركان فعله سبق الإصرار والتعمد كأجهزة الأمن ، ومنهم من شارك في جريمة الإجهاز على مصر بدون قصد " كديكتاتور الحجرة الدراسية" .. شريك مبارك السري في التأسيس لنظام انتهاك الحقوق بمصر .. الذي مهد مسرح الجريمة وهيأ الضحية (في مرحلة الطفولة) ليُجهز عليها مبارك هو وزبانيته وجلاديه (في مرحلة الرجولة) ! فالإنسان يولد حرا ، ملازمة له وملتصقة به كافة الحقوق الإنسانية بحكم طبيعته البشرية .. لكن المعلم الديكتاتورقد مثل للمواطنين الصغار نمط السلطة التي عصفت بحقوقهم الإنسانية .. ولن أشير لنتائج الأبحاث التي تؤكد خطورة التربية التسلطية ، ولا إلى الأبحاث التي تشير إلى شيوع التسلط والقهر في الوسط المدرسي .. لكنني سوف أحاول إنعاش ذاكرة المعلم الديكتاتور ببعض أفعاله مع وديعة المجتمع لديه .. وكيف وظف سلطته عليهم بطريقة خاطئة رفعت حاجز الخوف في صدورهم لمسافات شاهقة ؛ فجثم مبارك على صدر مصر لثلاثة عقود كاملة !! فهل تتذكر يا عزيزي المعلم طريقتك في تربية المواطن المصري الصغير وتنشئته على الخوف والطاعة العمياء ليغدو في عرفك الباطل " مؤدبا "؟!.. هل تتذكر كم صفعة من يديك لطمت وجوها بريئة لأمور بسيطة صدرت منهم ؟ .. وهل تتذكر يوما طاش فيه صوابك فأقمت حفلة عقاب جماعي لجميع الصغار لأنهم أحدثوا صخبا أو تجاهلوا أمرا أمرت به ؟ .. هل تتذكر كم موقفا دفعت فيه الصغار للتصرف ضد إرادتهم وضد مشاعرهم وضد ما يريدون ؟؟ هل تتذكر صوتك الهادر يلقي الأوامر مقترنة بالتهديد لمن يخالفها متقمصا بلا وعي دور ضابط المباحث مع المعارضين السياسيين ؟ هل تتذكر الضرب على ظهر اليد لأطفال كل جريمتهم عندك أنهم أكلوا أو التفتوا أو ضحكوا وأنت تتكلم ؟ هل أحسست بالرعب في قلب الصغير يرجوك أن تسامحه لأنه نسى كتاب ما أو عجز عن حل مسألة ما ؟ هل تتذكر الطلاب الأسرى تستعرضهم أمام السبورة يتداخلون في بعضهم البعض لأنهم عجزوا عن إجابة سؤال ما ؟ هل تتذكر ذلك الصبي في آخر الصف جعلته يستدير للحائط رافعا يديه ذليلا كأسير حرب ؟ هل استشعرت إحساس الخزي يملأ قلوب المواطنين الصغار وأنت تلقي على مسامعهم الشتائم والإهانات ؟ هل نبأك أحد عن فرحتهم وهم يغادرون ( المعتقل) عقب سماع جرس الحصة الأخيرة فرارا منك ومن الأساليب الحاطة بكرامتهم التي تمارسها عليهم ؟! وإني لأعجب كثيرا عندما أراك تعترض على ظواهر سلبية كثيرة في المجتمع .. فأراك تلعن الواسطة والمحسوبية باكيا على ضياع العدل والمساواة ؛ وأنت من أسس لها ، أم نسيت مجاملاتك لطلاب الدروس الخصوصية !! .. وألاحظك تلعن من لا يحترم الناس و يتعداهم في طابور من طوابير مصر التي لا تنتهي ؛ وأنت من زرع الأنانية في النفوس ، أم نسيت نشوتك والطلاب يهتفون في هيستريا مجنونة ) أنا أنا أنا أنا ( حين يفشل أحد زملائهم في إجابة سؤال ما !! .. وأشاهدك تبدي انزعاجا زائفا من الغش في العمل وعدم إتقانه في المجتمع ؛ وأنت من كان يكتب الإجابات للطلاب على السبورة في امتحان آخر العام !! .. وأراك تبدي اشمئزازا من تدني الوعي السياسي للمصريين عقب الثورة ؛ وأنت أول من كان يقول لطلابه : الكلام في السياسة ممنوع !! هل اقتنعت أنك شريك سري لمبارك من خلال إمداد المجتمع بمنتجات بشرية " مدجنة " لا يعصون للسلطة الظالمة أمرا ويفعلون ما يؤمرون ! .. هل تعترف أن بفضل سلطويتك وعدم سماحك للمواطنين الصغار بمجابهة سلطتك الصغيرة داخل أسوار المدارس قد شبوا عاجزين عن مواجهة ظلم سلطة مبارك في المجتمع لثلاثون عاما متصلة ؟ التعليم قضية أمن قومي لا ريب في ذلك .. وتقدم المجتمع يبدأ من بين مقاعد التلاميذ لا مراء في هذا .. والمعلم صاحب أخطر مهنة في العالم لا مشاحة في ذلك .. ويبقى أن المعلم المصري حاليا يعاني فقدا للكثير من الكفايات والمهارات يوجب إلقاء الكثير منهم خارج أسوار المدارس حفاظا على أمن مصر ورعاية للطفولة التي هي مستقبل مصر الحقيقي .. بل ويجعل مطالبة الكثير من المعلمين حاليا بتعديل أوضاعهم المادية أشبه ما يكون بمطالبة فئة من البشر بما يجعلهم يحيون حياة البشر !! .. ويبقى السؤال مشروعا : كيف يكفر الشريك السري لمبارك عن ذنوبه التربوية ؟ وكيف يصبح معلما ومربيا كما ينبغي أن تكون التربية والتعليم وبما يجعله مستحقا لأن يرفع صوته بمطالب صاحب أخطر مهنة في المجتمع ؟!! [email protected]