بتطور الزمان وانشغال الإنسان بهموم الحياة العصرية ومتطلباتها، تغيرت علاقة الآباء بأبنائهم حتى وصلت إلى معدلات خطيرة جعلت ذوي الاختصاص يولون أهمية بالغة لمعالجتها وإيجاد الحلول المناسبة ، لما يشكله التدهور الأخلاقي للأسرة من إخطار جمة تفتك بالمجتمع برمته. ودائما تجد الآباء يتعذرون بظروف العمل وانشغالهم بواقع الحياة الذي أصبح ذو رتابة سريعة لا تجعل وقتاً للأهل والأولاد - أو هكذا يزعمون- ، فالكثير منا يتصور أن توفير لقمة العيش والدخل الجيد للأسرة هو غاية مطمحه في الحياة ، فهل هذا التصور صحيح؟ ربما يكون الجواب بنعم إن قلنا بأن الحياة الكريمة تنتج عائلة مرموقة، لكن من قال إن المأكل والملبس هو ما يقيم العائلة ؟ إذ أننا نعني بالحياة الكريمة بجميع جوانبها ومنها العلمية والثقافية والدينية فضلا عن الصحية والغذائية. لقد أصبحت تربية الأولاد اليوم من التعقيد بمكان بسبب دخول موجهين ومؤثرين في حياة أولادنا، ربما يكونون أكثر تأثيرا منا فيهم، أو لنقل يحب أولادنا الاستماع إليهم أكثر من الاستماع إلينا كالأصدقاء والتلفزيون والانترنيت وغيرها، وهنا يبدأ التأثير في سلوكيات الأولاد سلبا أو إيجابا بما يرضاه أو لا يرضاه الأهل. لقد بات وجود تلك المؤثرات في حياة أولادنا واقعاً ملموساً لا يمكن تجاهله أو إنكاره، ولا بد من الاعتراف بذلك ، فأولادك خلقوا في زمان غير زمانك، فلا تتكابر عن الاعتراف بذلك ، فالواجب النزول إلى مستواهم وإيجاب الحلول العصرية المناسبة للتعامل معهم. كان احد الآباء يشكو من الأرق والتعب دائماً رغم أنه ينعم بوظيفة ذو دخل جيد أتاحت له توفير حياة كريمة لأولاده، وسبب أرقه انه يفكر دائماً بمستقبل أولاده، فاستشار احد أصدقائه المختصين بالاستشارات الاجتماعية فنصحه بالابتعاد عن هذه الفكرة وحاول إقناعه بأنه ليس مسؤولاً عن مستقبل أولاده لان كل واحد منهم سيختار طريقه الخاص وما عليك كأب إلا التوجيه فقط. أما صديقه الآخر فقد اجتابه بعكس ذلك، إذ أكد مساندته لما يشعر به وعد ذلك من الأمور التي فرضت على الآباء في هذا العصر ، فهو عصر تطورت فيه الحياة بشكل كبير وحدث فيها من الانقلابات السياسية والاجتماعية والفكرية والأخلاقية الى حد لا يحتمل أولادنا التعايش معها دون مساندتنا بواقع خبرتنا في الحياة، فلو تركناهم لضاعوا. ومن وجهة نظري أرى أن كلا الرأيين صحيح ،فلا بد أن يكون رأي الأب حاضراً في التصحيح والتوجيه وتقديم المساعدة لكن دون تعصب أو إجحاف وفرض لتصوراته القديمة بحجة عدم الخروج عن الأعراف والتقاليد، كما لابد للآباء من التعامل بصفة المربي لا بصفة الشرطي الذي يضرب ويعاقب ويزمجر فحسب ، فلن تجني من ذلك إلا الأمراض والعاهات المزمنة وفي النهاية لن يفعل أولادك إلا ما يروق لهم. وقد روي عن عبد الله بن المبارك انه بينما كان يرابط على احد ثغور المسلمين في ليلة شديدة البرد، سأل أصحابه قائلا: أترون أن هناك من المسلمين من هو أعظم منا أجرا؟ فأجابوه لا ، ومن أعظم منا أجرا ونحن نسهر لحمايتهم وأمنهم وهم نائمون؟ فقال: بل هناك من هو أعظم منا أجرا، وهو رجل متعفف ذو عيال جلس في ظلمة هذه الليلة الباردة فرأى عياله نائمون فأدار عليهم اللحاف ليغطيهم. وقد اخذ عبد الله ابن المبارك هذا المعنى مما ورد في الأثر( إن من الذنوب ذنب لا يغفره إلا هم العيال) . فالأولاد هم نعمة وزينة في هذه الدنيا وعلينا أن نتعامل معهم على هذه الصفة لا على أنهم نقمة وهم وتعب. كاتب وإعلامي عراقي