لم أكن أنتوي أن أفصح عن التجربة الشخصية الأليمة التي مررت بها في يوم من الأيام منذ عام، على الرغم من تلك العروض التي قدمت لي من بعض المواقع الصحفية والقنوات التي يتم تصنيفها على أنها "معارضة" لكني رفضت وفضلت السكوت خوفاً من الملاحقة الأمنية مرة أخرى، ولكن بعد زيادة البطش من جانب الشرطة وتجبرها على الجميع بلا استثناء وعودتها إلى ممارسات عهد "مبارك" وهو الشئ الذي يُهدد النظام بل الدولة بأكملها وليس وزارة الداخلية فحسب، كان لزامًا على أن أضع تلك التجربة بين أيديكم، متمنياً أن لا يضع القدر أحد فيها مثلي. في الثامن من يناير عام 2014 كُنت في تغطية ميدانية للأحداث التي شهدتها جامعة الأزهر، وكنت معتمداً في ذلك الوقت من الصحيفة لدى إدارة الجامعة وأُمارس عملي يومياً إلى أن جاء هذا اليوم المشئوم، فبينما كنت أتجول فى الجامعة للوقوف على أخر الأحداث صباحاً، وجدت عددًا من الضباط متمركزين أمام البوابة الخلفية للمدينة الجامعية والتي يفصلها عن الجامعة سور وبوابة، وبمجرد أن شاهدني أحد الضباط ويُدعى النقيب " محمود" – كنت أعرفه وهو يعرفني شكلياً- فناداني وأخرج التابلت الخاص به من سيارته، وقال لي أليست هذه صورتك؟، كانت صورتي ووضع عليّ دائرة حمراء، فقلت له نعم.. فقال لي "إنت ظاهر في فيديو وإنت واقف معانا إنت والصحفيين وكانوا هم بيصورا من الجنب وإنت بتصور من الأمام".. فقلت له: وإيه المشكلة إني أصور من الجنب ولا من الأمام احنا كلنا كنا بنصور وأمامكم وبعد ما أخذنا الإذن منكم؟.. فقال لي إنت في جريدة إيه.. قلت له "المصريون".. فادعى أنه لا يعرفها وعرضني على ضابط المباحث للتحري عني وعن الصحيفة. اقتادني أولاً إلى مجموعة من ضباط المباحث أمام كلية الزراعة وبعد( س وج) قاموا بفحص الكاميرا ليجدوا بعض الصور لمظاهرات أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، فقال لي أحدهم.. "إنت مصور الصور دي فين وإزاي"؟.. فقلت له "كنت في مسيرة من مسجد السلام بمدينة نصر مُكلف بتغطيتها كل يوم جمعة مثل باقي الصحفيين".. فقال لي "إنت مصور من خلف خطوط العدو"؟.. قلت له "مش فاهم يعني أيه خطوط العدو"؟.. قالي "خلاص في القسم هنفهمك"!!. اقتادني مجددًا النقيب "محمود" ليعرضني على ضابط أعلى رتبة في المباحث بمكتبه بإدارة الجامعة، والذي أخذ مني هاتفي المحمول واللاب توب والكاميرا وكلف أحد أفراده بالتحفظ عليّ خارج المكتب، انتظرت أكثر من ساعتين ثم علمت أن الضابط قد خرج إلى الجامعة بعد أن اندلعت اشتباكات عنيفة بين الأمن والطلاب، وبعد مرور ساعة أخرى أخذني فرد أمن المباحث ومعه أخر على دراجة نارية إلى قسم ثان مدينة نصر لنستكمل التحقيق. حتى هذه اللحظة وأنا في غاية الاندهاش مما يحدث معي ولماذا يحدث هذا؟ وهل ارتكبت جريمة؟، بمجرد دخولي باب القسم ومعي فرد الأمن يدعى"خالد" إلا وحاول عدد من العساكر الاعتداء عليّ ظناً منهم أني من المقبوض عليهم في الاشتباكات بالجامعة، ولكني صرخت فيهم.. "في إيه أنا صحفي".. وأسرع خالد قائلاً لهم.. "ملكوش دعوى به احنا لسه هنطلع للباشا فوق.. واحنا طالعين على السلم فوجئت بأحد العساكر يأتي مسرعاً خلفنا ويحاول وضع يده في جيبي للاستيلاء على النقود أو الهاتف( اتضح أنها عادة يقوم بها العساكر"لتقليب" من يلقى القبض عليهم) إلا أني نهرته بشده، فتوقف عن محاولة سرقتي". بعد وصولي إلى مكتب الضابط الذي كان أمامه مُتسعاً وبجواره الحمامات ومعه عدد من الضباط.. ليقوم أحدهم بسؤالي.. إنت تبع أيه؟.. فيرد عليه الضابط الذي أمر بالتحفظ عليّ بالجامعة.. الباشا صحفي تبع جريدة المصريون اللي تبع الإخوان وكمان الباشا خريج جامعة الأزهر!! .. ليرد ضابط أخر.. وكمان خريج جامعة الأزهر؟!!.. خدوه بره مع العيال بس باحترام شويه.. فقلت له لو كنا تبع الإخوان ما سمحت الدولة باستمرارها حتى الآن ونحن نعمل بشكل رسمي وبتصريح من الدولة، لكن دون فائدة. "العيال".. هم عشرات من طلاب جامعة الأزهر وجدتهم بملابسهم الداخلية في هذه الساحة بجوار المكتب.. حاول أحد الأفراد أن يجعلني أجلس معهم على الأرض لكني رفضت بشدة وقلت له أنا صحفي عايز أعرف تهمتي إيه؟. وعندما وجدوا أني هعمل لهم" دوشة وشوشرة" خصوصاً وأن بعض زملائي علموا بالقبض عليّ وكانوا ينتظرون في الخارج بعد مقابلة رئيس المباحث، فقال لي.. أركن هنا على جنب. شاهدت كيف يتم التعامل مع المقبوض عليهم بكل ذُل ومهانة آخذين، ولسان حالهم يقول: "لاتحدثني عن حقوق الإنسان طالما الأمر يتعلق بمعارضة سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي"، كان الطلاب الذين بلغ عددهم 55 طالبًا يجلسون على ركبهم وأيديهم خلف رقبتهم ووجههم في الأرض ليرددوا وراء الضباط والباشاوات هتافات منها" إديني كمان وكمان.. السيسي كله حنان" يتم ترديدها 10 مرات، بالإضافة الى " يسقط يسقط حكم المرشد" 10 مرات. وبعد الانتهاء من السلخانة الأولى يتم إدخالهم واحدًا تلو الآخر على الباشاوات في المكتب، لكي أُفاجأ بمزيد من الإهانات والاستخفاف، حيث كان الطالب المحظوظ الذي كان يحفظ أغنية" تسلم الأيادي" كان يتم الإفراج عنه في اللحظة!.. ولكن لم يكن محظوظ بالقدر الكافي من هؤلاء الطلاب إلا طالب من شمال سيناء والذي غناها لهم بصوت عذب مرتين وأضحكهم أيضاً.. فكان له بذلك إطلاق سراحه. واختصاراً للوقت تم إنزالي مع الطلاب الباقين في الحجز بالأسفل وسط جو مُرعب من الصريخ والعويل من الحفلة الأخرى للطلاب قبل دخولهم الزنزانة. في تمام الساعة العاشرة و45 دقيقة تم ترحيلنا إلى قسم أول القاهرة الجديدة، طبعاً مش هأعيد قصة المهانة لأنها مُكررة، ولكن بعد دخولنا الزنزانة فوجئنا بأحد الضباط يدخل علينا ليقول لنا كله وشه في الحيط مع وصله من الشتيمة والسب وكان يقول" من فيكم هنا 6 إبريل يا ولاد ال... (لفظ بذيء) ومن فيكم تبع رابعة يا ولاد ال..."نفس اللفظ".. ويواصل: أنا اللى كنت في فض رابعة يا ولاد ال... كنت كلكم شوية خرفان ومصدرين النسوان في الوش يا ولاد ال... طبعاً لكمات وضرب يأتي اليك من الخلف من حيث لا تدري. الطريف في الموقف أنه كان من ضمن المقبوض عليهم معنا طالب عضو بحزب النور ملتحي، فقال له الطالب أنا تبع حزب النور والله مش تبع الإخوان ولا 6إبريل.. ليرد عليه: يعني تبع حازمون يابن ال.. !!، كان ذلك الرد كفيلاً بان يُضحك معظم الطلبة وهم يتكتمون ابتسامتهم رغم ما هم فيه. في النهاية تم إخلاء سبيلي بعد ثلاثة ليالي قضيتهم في " العالم الأخر" رأيت فيهم ما رأيت وخرجت وفي نفسي ما فيها، مُدركاً تماماً أنه لا أمل في النهوض بتلك البلد إلا باحترام حقوق الإنسان وآدمية المواطن وعدم مُعاداة الشباب لأنهم المستقبل ووقف حملات "الشيطنة" الإعلامية تجاههم، كما كنت وما أزال متخوفاً من "قنبلة موقوتة" عبارة عن ألاف الشباب داخل السجون يتعرضون لكافة أنواع التنكيل وماذا سيفعلون بنا بعد خروجهم؟. (اللهم احفظ مصر من الفتن واجعل هذا البلد أمناً مُطمئناً).