اتشكك في صحة الوثائق والمحاضر التي عثرت عليها "الجزيرة" لاجتماعات مسئولين ليبيين وشخصيات أمريكية بحثت سبل مساعدة القذافي على البقاء في السلطة قبل سقوطه بأسابيع. كثير مما نعتبره وثائق تكون في حقيقتها مزورة، وهناك هدف من تركها في مكان معين. وهذا قد ينطبق على ما تقول "الجزيرة" إنها وجدتها في مقر الاستخبارات الليبية الذي سيطر عليه الثوار. فيبدو المقصود من هذه الوثائق والمحاضر احراج مصر الثورة، والايحاء بأنها تتعاون مع واشنطن لافشال الثورة الليبية التي اقتفت أثار ميدان التحرير ومشت عليها وتمسكت بنهايته رغم الحرب الشرسة التي شنها القذافي وإصراره على قتل كل الشعب الليبي في سبيل بقائه وأسرته في الحكم. الوثائق تتحدث عن اجتماعات في فندق فور سيزون بالقاهرة في الثاني من أغسطس بين مسئولي القذافي وديفيد وولش الذي كان سفيرا في وقت سابق للولايات المتحدة لدى مصر ثم مساعدا لوزيرة الخارجية سابقا، وأنه نصحهم بشأن كيفية نجاحهم في الدعاية ضد الثوار. كان واضحا جدا أن الهدف الأكبر، اقحام اسم مصر في تلك الوثائق، وقد اختارت لها "الجزيرة" عنوانا جانبيا: "تكشف المحاضر أن وولش اقترح مجموعة من الطرق لإضعاف الثوار بالاستعانة بوكالات استخبارات أجنبية". وجاءت "الاستخبارات المصرية" ضمن تلك الأجهزة وهي الأردن والمغرب وإسرائيل. وهنا تأتي الدولة الأهم في ثورات الربيع العربي والتي كانت ملهمة لما أتي بعدها وهي ثورات اليمن وليبيا وسوريا، على أنها تتعاون مع الولاياتالمتحدة، علما بأن إضافة أسماء الأردن والمغرب وإسرائيل، مجرد محاولة لتمرير الوثيقة والايحاء بصدقها ودفع شبهة التزوير عنها، لكنها لا تحرج الأردن أو المغرب مثلا لأن علاقات أجهزتهما الأمنية بواشنطن معروفة. إن وضع جهاز المخابرات الإسرائيلي إلى جانب جهازي دولتين عربيتين مقاومتين للثوارات وواجهتا احتجاجات شعبية اعقبت الثورة المصرية، يعني أننا أمام وثائق مزورة، أما تركها عبدالله السنوسي رئيس استخبارات القذافي عامدا متعمدا، أو وضعتها أجهزة أخرى بهدف الاساءة لمصر وتشويه ثورتها. الطرف الأمريكي علق على تلك الوثائق بأنها ملخص اجتماعات من وجهة نظر الليبيين فقط وفيها استنتاجاتهم. أي أن المضمون مجرد وجهة نظر واستنتاجات من استخبارات القذافي التي عاشت في الماضي وافتقدت أي احساس بما يجري في ليييا وما جرى في مصر وتونس. لا يمكن التسليم بصحة وثائق تركها جهاز استخباراتي سيء السمعة بعد نهاية نظامه، ومعاملتها على أنها سبق إعلامي، خصوصا مع توافر معايير تكذيبها، فعلى سبيل المثال يكشف أحد المحاضر عن الطريقة التي اقترحها وولش لإضعاف الثوار بالاستعانة بوكالات استخبارات أجنبية، قائلا على حد ما ورد في الجزيرة "أي معلومات تتصل بالقاعدة أو أي منظمات إرهابية يتم العثور عليها ينبغي أن تسلم للإدارة الأميركية عن طريق أجهزة استخبارات إسرائيل أو مصر أو المغرب أو الأردن.... وأميركا ستصغي إليهم والنتائج ستكون إيجابية..... ومن الأفضل أن تظهر وكأن مصدرها مصالح الاستخبارات في هذه الدول". ما هي مصلحة واشنطن في تقديم النصح للقذافي قبل سقوطه بثلاثة أسابيع وفق التاريخ الذي تبرزه الوثائق.. وما هي القيمة التي يشكلها استمراره في السلطة؟! سؤال منطقي يجب أن نقرأ به تلك الوثائق. علاوة على أن المنسوب لديفيد وولش كتب بصيغة مخابراتية محضة لا يقولها دبلوماسي مخضرم يجيد التحدث بالعربية. في ظل حرب الوثائق التي ستشتد خلال الأيام القادمة على الساحة الليبية، وثيقة أخرى تخص المجلس الوطني الانتقالي هذه المرة والهدف الاساءة له بأنه يمنح حصة في امتيازات النفط لفرنسا مقابل دعمها للثورة. هل من المعقول أن يتبادل المجلس الانتقالي وفرنسا صفقة بهذه الصورة الساذجة، فالنفط الليبي ليس جديدا أو طارئا حتى يتم مقايضته، وعقود النفط وامتيازاته تخضع لأحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية ولا يمكن فسخها واعطاؤها لدول أخرى بمجرد سقوط النظام الذي أبرمها، خصوصا أنها تكون في العادة موقعة لمدد طويلة تمتد لعشرات السنين. [email protected]