حدثنا القرآن الكريم عن طبيعة النفس البشرية وبين طبيعتها ( ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ) وإمكانية رقيها لأرقى درجات السمو البشرى ، وإسقاطا في مجال العمل الشرطي قدم لنا التاريخ والواقع الانسانى ذلك في نفوس أفراد ومؤسسات شرطية تمتلك نفوس تقية نقية طاهرة وشريفة يفهم كل فرد فيها مهمته ودوره وحقوقه وواجباته ، عاينا ذلك بعيون قلوبنا كلما خرجنا من مطار القاهرة وبدأنا نشم هواء الحرية بداية من دول الخليج إلى تركيا وماليزيا واند ونسيا واوربا...الخ . كما أن النفس البشرية يمكن أن تتردى إلى الهاوية خاصة عندما تملك عصا القوة والسلطة ، وقد عاينا ذلك تاريخيا في هامان وجنودهما كما عشناها واقعا مريرا لما يقارب النصف قرن مع النظام الامنى السابق . ما من شك أن الملف الأمني المصري معقد جدا وبات يشكل عقبة كئود ضد محاولات التغيير والإصلاح والتنمية ، حيث تعيش البلاد حالة من الفراغ والارتباك الأمني المتعمد من قبل فلول النظام السابق وجهازه الأمني ، في محاولة منهم للرجوع المنظم المشرف لهم ، وأنى لهم ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) وما من شك أن اغلب بيوتات مصر تعيش حالة من الحزن وكظم الغيظ الشديد نتيجة تأخر القصاص لدماء أبنائهم التي لم يقتص لها حتى الآن ، ناهيك عن قصاص الثلاثون عاما من الذل والهوان تحت يد نظام أمنى غاشم وفاسد. في هذا السياق طرحت الكثير من الأطروحات المتنوعة للتعامل مع هذا الجهاز ومحاولة سد الفراغ الأمني ، اتفق أغلبها على صيغة الاجتثاث الكامل من جذوره الفاسدة الممتدة في أعماق عالم الأشخاص والأفكار والأشياء المكونة لبنية هذا الجهاز المسيء لتاريخ مصر بل وتاريخ الإنسانية عامة ، ولن يعاد تبييض صفحات التاريخ المصري إلا بعد اجتثاث وحذف هذا الجهاز بكامل اشخاصة من التاريخ المصري الحديث وتقديم مدانيهم إلى المحاكم المختصة . هذا الجهاز نمى وتطور فيه حجم الفساد والإفساد إلى كافة مكوناته الثلاث في عالم الأشخاص فلم يعد ينضم إليه ويرقى في سلمه الوظيفي إلا أفسدهم ، وأكثرهم استعداد للفساد والإفساد ، حتى رسخت هذه الثقافة ونمت وترعرعت وأصبحت جاذبة لأردأ النفوس البشرية التي يمكن أن تخرجها أرحام البشر ، حتى وإن أخطأت فلاتر الفساد وضمت بين صفوفهم من ليس منهم سرعان ما يتم إعادة تشكيله بمفاهيم وقيم ومهارات وتقنيات الفساد والإفساد وقد عاينا بأم أعيننا شبابا كثر كنا نعدهم من الشباب المصري الطيب الأصيل وسرعان ما عاينا واشمأزت نفوسنا حينا عاينا تردى أخلاقهم وبوار نفوسهم بعد إعادة تشكيلهم في مؤسسة الفساد والإفساد الشرطي. لا أود الدخول في تفاصيل مفاهيم وقيم ومهارات فساد هذا الجهاز ، والله حفظا على مشاعر النفوس المصرية الطاهرة المسالمة التقية النقية خاصة في شهر القرآن والرحمة . كما بلغ الفساد ذروته في عالم الأفكار الحاكمة التي يتبناها أفراد هذا الجهاز من إحساس بالقوة والتميز والاستعلاء وإهدار لقيمة وكرامة الإنسان ، وغباء ، وتدنى خلقي ، وتعدى على حقوق وممتلكات الغير وتجرأ على الحرام والظلم والطغيان ...الخ ، والتي تمثل المصدر الاساسى لكل ما يمكن أن يصدر عنهم من تصورات ورؤى وخطط وأعمال على ارض الواقع ، والتي يمكن تجسيدها في ما جاء على لسان كبار مسئوليها بأن ما هذا الشعب إلا عبيد لنا ، ونحن أسيادهم !؟ العجيب في الأمر أن تتكيف هذه الأفكار مع عالم الأشياء من قوانين ولوائح ونظم ووسائل وأدوات وإجراءات تشكل في مجملها مؤسسة كبيرة للفساد والإفساد المنظم وأصبحت خارج حدود التقويم والإصلاح ، بدليل أن ثورة يناير المباركة لم تتمكن حتى الآن من استكمال أهدافها بفعل هذه المؤسسة التي تقود خطط وأعمال الثورة المضادة . خاصة بعدما تسببت فيه من آثار نفسية وتربوية وأخلاقية على الإنسان المصري تتابعت آثارها على جوانب حياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، حتى ظن البعض أن تركيبة العزة والشموخ والمروءة والشهامة وحب الخير والبذل والعطاء التي ميزت الشخصية المصرية قد ذهبت وتلاشت تحت سياط القهم والاستبداد والذل والمهانة. كل ذلك يؤكد فشل كافة أفكار وجهود الإصلاح الجزئي التي يمكن أن تتم فلم يبقى إلا مشرط الجراح ليزيل ويفصل هذا الورم الخبيث عن الجسد المصري حتى يستعيد عافيته ، وبعد عزل وتفكيك هذا الورم إلى جزئيات صغيرة منزوعة القوة والسلطة لعلها أن تعيد اختيار طريقها من جديد . ومن رحمة الله أن باب توبته مفتوح حتى يغرر العبد ، كما أن الشعب المصري المتسامح يمكنه أن يسامحهم كأفراد إن أكدوا حسن سيرتهم خلال المرحلة المقبلة . حدثنا القرآن الكريم عن طبيعة النفس البشرية العادية حينما تمتلك أسباب القوة والسلطة ، وكيف بها تميل إلى الاستغناء المفضي إلى الطغيان ، فما بالك إن كان يختار الفاسدون ويتعلمون ويتدربون في مؤسسة للإفساد ثم يتخرجون إلى مؤسسة متخصصة ومحترفة في الإفساد ، كما يتقرر المستقبل الوظيفي لأفرادها على أساس معاييرالابداع والابتكار الافسادى ، فما بالك إن منحوا بعد ذلك أدوات القوة والسلطة. لذا اقترح الاجتثاث الكامل لجهاز الأمن السابق من جذوره في عالم الأشخاص والأفكار والأشياء ، اللهم إلا المباني والتجهيزات المكتبية فقط ،على أن يتم الاستعانة بقيادات من رجال الجيش المصري الذي يمتلكون عقيدة المحافظة على الأمن والكرامة المصرية ، بالإضافة إلى قيادات نوعية من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات تخصصات التربية وعلم النفس والاجتماع والقانون بالإضافة إلى ثلة من رجال الأزهر الشريف تستوعب ما تحتاجه من أفراد جدد من ملايين الخرجين المثقفين في التخصصات الجامعية المختلفة ، مع تصميم منظومة قيميه وثقافية جديدة تشكل عقيدة الشرطة المصرية الجديدة تمثل في ذاتها معيارا ورقيبا ذاتيا لأبناء الشرطة يحميهم من الجور والطغيان بالإضافة إلى حزمة من القوانين الانضباطية الضامنة لجودة وسلامة الأداء الشرطي . وفى الانفتاح والتواصل مع مؤسسات التدريب الشرطية العالمية ما يمكن أن يسد الفجوة المعرفية والمهارية الخبراتية في أسرع وقت ممكن وما أجمل أن نجد وزيرا للداخلية من النخب العلمية والاجتماعية والدينية في المجتمع د / إبراهيم الديب