البيان الذي صدر عن البرلمان الأوربي أمس ، والقرار الصادر منه أيضا بخصوص الانتخابات البرلمانية المصرية المقبلة يشكل صدمة كبيرة لأنصار الرئيس عبد الفتاح السيسي ، كما يمثل نصرا معنويا كبيرا لقوى ثورة يناير ونشطائها وأحزابها ، وكذلك يمثل دعما معنويا لأنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين . والبيان الذي صدر عن البرلمان الأوربي ، وهو أكبر سلطة حقيقية مؤثرة على قرارات الاتحاد الأوربي وسياساته الخارجية ، جاء عنيفا وشديد اللهجة ، وعبر عما أسماه "قلقه الشديد من القيود المفروضة على الحقوق الأساسية، لاسيما حرية التعبير وتشكيل الجمعيات والاجتماع والتعددية السياسية وسيادة القانون في مصر" ، كما دعا إلى "وقف جميع أعمال العنف التي ترتكبها السلطات المصرية وأجهزة الأمن بحق المعارضين والمتظاهرين والصحفيين والطلبة والحقوقيين" ، حسب نص البيان ، والذي أضاف قائلا : "هناك في مصر أربعون ألف معتقل منذ يوليو 2013 من بينهم 167 نائبا برلمانيا انتخبوا في 2011 ويقعون حاليا قيد الاعتقال" وطالب بالإفراج عنهم بدون قيد أو شرط كما طالب بالإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي بمن فيهم أعضاء جماعة الإخوان ، مضيفا قوله : " أنه منذ 30 يونيو 2013 فإن الحكومة المصرية شنت حملة واسعة من الاعتقالات التعسفية والمضايقات والتخويف والرقابة ضد منتقديها" ، حسب النص العنيف والمثير لبيان البرلمان الأوربي . البيان لم يكتف بما سبق من اتهامات وتنديد غير مسبوق بالأحوال في مصر ، وإنما أثار غبارا جديدا على شرعية الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها المشير عبد الفتاح السيسي برئاسة الجمهورية ، وقال البيان ما نصه : " الانتخابات الرئاسية الأخيرة بمصر لم تستكمل المعايير الدولية للنزاهة" وبناء على ذلك قرر البرلمان الأوربي رفضه المشاركة في مراقبة انتخابات البرلمان المقبلة ، معتبرا أن مشاركته فيها يمكن أن تضرب مصداقيته بقوة . منذ أحداث الثالث من يوليو 2013 ، والتي أطاحت بحكم الإخوان والدكتور محمد مرسي ، لم تشهد العلاقات المصرية الأوربية مثل هذه اللغة الخشنة جدا والاتهامية والعنيفة ، والتي تكشف عن "نفاذ" صبر القوى النافذة في الاتحاد الأوربي تجاه السياسات الأمنية والعدلية الجديدة في مصر ، ولم يسبق أن وصلت الأمور إلى حد تشكيك الاتحاد الأوربي ، عبر أهم مؤسساته التشريعية والرقابية ، في شرعية الانتخابات الرئاسية المصرية ، وكذلك التشكيك في نزاهة انتخابات البرلمان المقبل ، وهو مع اللغة العنيفة مؤشر على أن الأمور تتجه نحو الأسوأ في الفترات القادمة إذا استمر تجاهل الحكومة المصرية لهذا القلق الدولي . رفض البرلمان الأوربي المشاركة في الإشراف والمراقبة لانتخابات البرلمان المقبل يطعن في شرعيته ، بدون أدنى شك ، كما يضعف من موقف مصر السياسي والديبلوماسي في العالم الخارجي ، كما يؤثر بطبيعة الحال على كافة أشكال المساعدات الدولية المتعلقة بدول الاتحاد الأوربي ، لأنها لا يمكن أن تمر إلا بموافقة البرلمان الأوربي ، أضف إلى ذلك أنه يضعف من الموقف الأخلاقي لمصر دوليا بما يؤثر بشكل حاسم على جهود القضاء المصري بكافة أذرعه خارج حدود التراب المصري ، كما يشل من فاعلية ودور البرلمان المصري الجديد في حال انتخابه عند أي تعاملات مع دول الاتحاد الأوربي بما يفرض عزلة برلمانية محرجة لمصر دوليا . المشكلة الآن ، هي أن صانع القرار المصري ما زال يدير سياسات الدولة وفق منطق "ركوب الرأس" ، وأعلى ما في خيل العالم يركبه ، وبالتالي فالتوجه الحالي مؤشراته تقول أن هناك استخفافا ببيان البرلمان الأوربي وتوابعه ، وهناك كلام طويل عريض يصعب تصديق منطقه في بلد يعيش أزمات متلاحقة في الاقتصاد والأمن والسياسة ، ويقف على قدميه بالكاد رهنا لمعونات من دولة صغيرة مثل "الإمارات" ، ويناشد العالم أن يقدم له يد العون لمواجهة نشاط الجماعات الإرهابية ، ويبحث عن استرضاء العواصمالغربية والشرقية من أجل إرسال "سياحها" إلى مصر لضخ عدة مليارات من الدولارات لالتقاط الأنفاس ، وتحاول إقناع العواصمالغربية حتى الآن بأنها وافقت على الإطاحة بالإخوان ونظامهم لأنهم كانوا يهددون الديمقراطية ويهدرون الحريات العامة ويتلاعبون بالقضاء . باختصار ، الإصلاح دائما ما يبدأ بتكاليف محدودة وممكنة وسهلة لمن أراد ، ولكن مشكلته أن الوقت دائما ليس في صالح من يتلكأ معه ، والتكاليف تتزايد وتتعاظم مع التأخير ، والفرص تتآكل ، حتى تصل إلى مرحلة العجز التام عن إمكانية الإصلاح ، والاستعداد لاستقبال النهايات المحتومة .