عمرو بن لحي الخزاعي كان أول من غير ملة إبراهيم عندما ضاق بالحنيفية السمحة فتولى كِبْر تبديلها ودعا إلى عبادة الأصنام فهو أول من سن للعرب عبادة الأوثان حيث أتى بها من أرض الشام إلى الجزيرة العربية . وما أكثر عمرو بن لحي الآن... فقد طفحت الجرائد والمجلات والكتب والأشعار والفضائيات بكتابات العلمانيين واللادينيين بأفكار ومبادئ هي في حقيقة الأمر نسخة محدثة من أوثان عمرو بن لحي . والملفت أن تيار المنفلتين من غلاة العلمانية لا يتركون مؤتمر أو ندوة دون أن يُلحون في عرض بضاعتهم المستوردة ويُسَوقون لها بكافة السبل والوسائل ، فمن طاعن في اللغة العربية لأنها لغة البدو" سفاكي الفكر" ، ومن مستهزئ بتاريخ الأمة لأنه تاريخ القتل والدماء ، ومن ناقد في النص القرآني لأنه سجن للعقل والحرية وهي في مجملها أوثان طالما روج لها الغرب على مر العصور حتى بارت بضاعتهم وملوا فرأوا أن يصدروها مرة أخرى لنا على ظهور حفنة ممن ينتسبون لهذه الأمة . إن المقصود من هذا النشاط العلماني المحموم هو إقصاء الدين عن موقع القيادة واستبداله بخطاب الحداثة والأيدلوجيات التي تمجد الانفلات من النص الديني مستعينين بذلك بلغة أكاديمية براقة وشعارات أخاذة ومصطلحات منحوتة من ثقافات مستوردة وجهالات يدركها الناقد البصير من أجل تضليل وخداع المتلقي لاسيما من جيل الشباب في الوقت الذي نقف فيه نحن مكتوفي الأيدي مكتفين "بمصمصة" الشفاه . إن المتتبع الناقد لما تبثه أبواق العلمانيين على صفحات الجرائد والكتب وشاشات الفضائيات يجد أن بعضهم قد أوتي براعة الصياغة والعرض ناهيك عن التلميع الإعلامي والألقاب البراقة والمناصب المغتصبة ليظهروا للناس في أحسن حلة تعجب الرائي أجسامَهم ويُعجب السامع منطقَهم ثم يشرعون بعدها في بث أوثانهم وأفكارهم المريضة لتخيل على الكثيرين فيصرفون الناس عن دينهم إن استطاعوا إلى أي مذهب مادي ، اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو إباحي و تفريغ الإسلام من محتواه الإيماني والتعبدي . ولقد دأب العلمانيون دائما على مغازلة الأقليات والموتورين وأصحاب الفرق الضالة وكل من يحمل راية الجهاد ضد الإسلام لمحو لغة القرآن وقطع الصلة بتراث الأمة ولكسب مزيد من التأييد ودعم جبهة الباطل فهناك من يهاجم الإسلام بصوره التي تناهض افكارهم وقف ضدها وتفضح أقلامهم وميكرفوناتهم ، فهم يشنون الحرب تارة على الإسلام باسمن مناهضة التطرف وتارة باس العصرنة والحداثة وتارة باسم وقف التمدد الوهابي وتارة باسم مناهضة السلفيين والحقيقة أنهم لا يبتغون إلا عنوان واحد دولة لا دينية يتنحى فيها الإسلام جانبا ويزداد فيها سعار العربدة باسم حرية الاعتقاد وتحجيم دور الإسلام داخل جدران المسجد . هذه بعض أساليب العلمانيين الأكثر تأدبا التي تتبناها وتنتهجها العلمانية من أجل تحقيق مقاصدها والنيل من دين الله . ولا يجب على مسلمي هذه الأمة ومثقفيها الوقوف موقف المتفرج المتابع لهذه المعاول التي تنهال على رؤوس المسلمين صباح مساء دون أن يحركوا ساكنا أو يخرجوا قلما لمناوأة هذا السرطان الخبيث وبيان عواره وفضح عوراته مستعينين بالحجة والدليل وعرض النبع الصافي للقرآن والسنة بصورة محببة قريبة من الشباب ومن خلال المزيد من الإطلاع على مصادر تلقي العلمانيين لضلالاتهم وتفنيد محتواها بلغة عصرية رشيقة . ويعجبني في هذا السياق ما قاله الدكتور عبد العزيز حمودة في معرض فضحه لأساليب العلمانيين التي يندسون من خلالها في أوساط الشباب والمثقفين حيث يقول "العلمانيين أو الحداثيين يحسنون فن العرض والتغليف ، يساعدهم على ذلك الاطلاع على اللغات الأجنبية التي تثري في نفس الوقت لغتهم العربية بسبب تفاعل اللغات ، وتراكم التراكيب والكلمات ، وتيسر النحت والاشتقاق الذي يتأتى بكثرة المتقابلات والمترادفات الحديثة والجديدة ، والتي تغري الجيل الجديد ، وتعزز ثقته بقدرة الخطاب العلماني على الإبداع والتجديد" . نعم إنهم يجيدون صنعة الكلام وفن العرض والتغليف رغم أن بضاعتهم راكدة منتنة في الوقت الذي نملك فيه بضاعة حرة وتجارة رابحة ولكننا عطلنا ملكاتنا عن الإبداع في تعاطي أنجح الوسائل والطرق لمواجهة أوثان عمرو بن لحي وترهات رفاق العلمانية من خلال العرض الجيد لأعز ما نمتلك .