ذهبت قوات مصرية لمطاردة مسلحين يهددون الأمن في سيناء، فوجدت نفسها بين نار هؤلاء المجرمين، ونار مسلحين آخرين نفذوا الخميس الماضي عملية في إيلات، ونار الجيش الإسرائيلي الذي يمارس الانتقام الأعمى لقتلاه. دفعت قواتنا ثمناً غالياً لهذا الجنون الذي اشتعل فجأة في غزة وإيلات وصحراء النقب، حيث استشهد جنديان وضابط من حرس الحدود بقذيفة من طائرة إسرائيلية قيل إنها كانت تطارد مسلحين فلسطينيين على الحدود مع مصر، كما استشهد جندي آخر في اشتباكات مع المسلحين الذين ذهبت القوات لوضع حد لجرائمهم في سيناء بمهاجمة مراكز الشرطة كما حصل مؤخرا في العريش بشكل خطير، بجانب استمرار استهداف أنبوب الغاز. الرحمة لشهدائنا العظام، والجنة لهم إن شاء الله. في تلك اللحظة الحزينة على الوطن يجب أن تهدأ الصراعات بين الطبقة السياسية وأن يلتف الجميع نخبة وشعباً حول الجيش الذي يحتاج الدعم لمواصلة دوره الوطني في حفظ الأمن بالداخل وحفظ حدودنا وردع من يسعى لتهديد الأمن القومي أو ممارسة البلطجة أو الابتزاز علينا. احتفاظ الجيش بهيبته واحترامه وعدم التأثير عليه نفسياً مسألة ضرورية أكدنا عليها أكثر من مرة لأنه المؤسسة الوحيدة المتماسكة الآن في مصر ،ولا قدر الله إذا تعرض لأي اهتزاز بفعل مراهقين في السياسة والثورة أو طامعين في السلطة أو مغامرين يدفعون البلاد نحو الفوضى والفراغ فإن الوطن كله سيكون على شفا الخطر، وأمامنا الآن الخطر الذي يتهدد سيناء ووقاحة إسرائيل. وحدة مصر وتماسكها وأمنها الداخلي والخارجي وعزة جيشها هي خطوط حمراء غليظة ومصدات لا يجب مجرد التفكير في الاقتراب منها. دماء شهدائنا الأبرار في أعناق المصريين جميعاً ولابد من الثأر لهم، وليس معنى ذلك إعلان الحرب على إسرائيل إنما اتخاذ خطوات قوية تجعل إسرائيل تفكر ألف مرة قبل أن ترتكب أي خطأ آخر ضد جنودنا على الحدود، وفي تقديري أن ما جرى ليس خطأ إنما عملية مقصودة ومدروسة. وبالنسبة للمسلحين الذي يختبئون في سيناء فإن قواتنا قادرة على مواجهتهم رغم وعورة المنطقة والمصاعب التي قد تواجهها في مهمتها الأمنية. وفي تقديري أن تل أبيب انتهزت فرصة قدمها إليها على طبق من ذهب من نفذوا عملية ايلات الغريبة في توقيتها لتوجه ضرباتها إلى غزة المحاصرة وتعاقب حماس، وفي الوقت ذاته تطلق قذيفة على الجنود المصريين على الحدود، ثم تزعم إن ذلك تم بطريق الخطأ، أي تغطي ضربة القذيفة تحت ستار مطاردتها للمسلحين الذين تدعي أنهم دخلوا النقب من سيناء ثم يهربون الى سيناء مرة أخرى. كأن الطيارين الإسرائيليين هواة وليسوا محترفين ومدربين جيداً حتى لا يميزوا بسهولة بين وحدة حراسة مصرية ثابتة ومعروفة منذ سنوات ومرفوع عليها العلم المصري، وبين مسلحين أفراد يتحركون أو يختبئون هنا أو هناك. إسرائيل توجه رسالة بدم مصريين أطهار ل "مصر الثورة" بأن يديها طويلة، وأنها على استعداد للذهاب الى آخر مدى مع النظام الجديد، وأنها لا تقيم وزنا لأحد ولا تحترم أحد، فهي أصل العربدة والعدوان في المنطقة، وهي باتت تدرك أن العلاقات لن تكون كما كانت في عهد مبارك. وحتى أيام مبارك فإنها ارتكبت جرائم متكررة في حق قواتنا على الحدود راح ضحيتها العديد من الشهداء دون مراعاة للصداقة الوطيدة التي جمعتها مع " المخلوع "، الذي كان خانعاً في ردود أفعاله. من الجيد أن تحتج مصر لدى إسرائيل، وتطالب بالتحقيق في الجريمة، وأن ينعقد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، وأن يقول عصام شرف إن دم الإنسان المصري أغلى من أن يذهب بلا رد، وأكرم من أن يكون بلا قيمة،وإن ثورتنا المجيدة قامت كي يستعيد المصري كرامته في الداخل والخارج، وما كان مقبولاً في مصر ما قبل الثورة، لن يكون مقبولاً في مصر ما بعد الثورة. وطبيعي أن يتظاهر مصريون أمام سفارة إسرائيل بالقاهرة، ويغضب الشعب كله. لكن هذا كله يبقى في إطار الكلام وليس الفعل حيث نحتاج من المجلس العسكري والحكومة الى أفعال على الأرض تثأر للشهداء وترد الاعتبار للشعب وللسيادة التي اعتادت إسرائيل على انتهاكها بمثل تلك الأخطاء المقصودة. الخطوة الأولى العملية في الرد كانت في تصريح رئيس الأركان للقوات بإطلاق النار على من يجتاز الحدود.لكن نحتاج للمزيد من الخطوات المؤثرة وعلى رأسها الآن إعادة التفاوض حول معاهدة السلام التي تتمسك بها مصر ،ذلك أن منطقة الحدود مع غزة وإسرائيل هى الأخطر والأكثر اشتعالاً وكل الشرور تأتي لمصر منها، ولا يعقل أن تكون الحراسة مجرد قوة رمزية من الشرطة مسلحة تسليحا خفيفا لا يجعلها قادرة على مطاردة المتسللين أو تجار المخدرات مثلا فما بالنا بمسلحين مدربين جيدا. كيف يكون من حق إسرائيل أن تستخدم مقاتلاتها وقواتها البرية كما تشاء وتكون مصر محرومة من هذا الحق في سيناء كلها أو معظمها بحكم بنود جائرة في المعاهدة؟. على إسرائيل أن تدرك أن تكثيف الوجود العسكري على الحدود لا يعني أن مصر ستشن حربا، إنما ذلك سيساعد في حفظ الأمن ومواجهة كل مصادر التهديد وستكون هي أكثر المستفيدين. نبدي استغرابنا هنا من عملية ايلات التي تبرأت منها حماس ولجان المقاومة الشعبية ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها حتى الآن. هذه العملية بمثابة هدية لإسرائيل لتقتل مزيدا من الفلسطينيين وتمارس التدمير في غزة وتبرز الفلسطينيين الذي يتحركون لحشد الدعم لإعلان دولتهم في سبتمبر بأنهم سيقيمون دولة تهدد أمنها. وحماس خصوصا هي المستهدفة بالتشويه أمام العالم وإظهارها بأنها غير قادرة على السيطرة على القطاع، أو هي تنسق سرا هذه العمليات مع فصائل أخرى. قتل 8 إسرائيليين في الهجمات الثلاث بإيلات، وراح مقابلهم المنفذون السبعة يضاف إليهم 11 آخرين هم حصيلة شهداء الغارات في غزة منذ الخميس وحتى مساء الجمعة ،كما أصيب أكثر من 40 بجروح، وعدد الضحايا قد يكون مرشحا للزيادة. فلماذا عملية كهذه كان ينتظرها المتطرف نتنياهو ليتخذها مبررا للفتك بغزة، ويطال شررها جنودنا في سيناء، وتتشوش القوة التي ذهبت لتعقب مسلحين يروعون الأمن في سيناء . أتصور أن هجمات إيلات تقف وراءها سوريا فقد تم تنفيذها الخميس وهو اليوم الذي صعد فيه المجتمع الدولي ضغوطه ضد دمشق حيث طالب اوباما والاتحاد الأوروبي الأسد بالتنحي، وتلا ذلك فرض عقوبات إضافية، وسحب سفراء، وإعداد مشروع قانون بعقوبات وتقديمه لمجلس الأمن. وهذه هي الخطوة الأقوى في الضغوط الدولية على نظام الأسد منذ انطلقت الثورة. هناك تنظيمات فلسطينية ولائها المطلق للنظام السوري، وهي تتلقى أوامرها منه، وتضحي بدماء الفلسطينيين مقابل أن يعيش النظام الذي تفوق على إسرائيل في نوعية وحجم الجرائم التي يرتكبها ضد شعبه. والهدف من عملية ايلات هو صرف الأنظار عن المجازر ضد السوريين، وإشغال المنطقة والعالم بما يجري في غزة حتى لا تكون الأضواء كلها مركزة على دمشق ليواصل نهجه الأمني في قمع الثورة. وهي سلوكيات اعتدنا عليها من أنظمة الطغيان بأن تفتعل مشاكل وأزمات لصرف الرأي العام عما ترتكبه من جرائم أو للتغطية على إخفاقاتها .فماذا استفاد عملاء دمشق غير أنهم دفعوا حتى الآن 18 قتيلا و40 جريحا من شعبهم والعداد لم يتوقف. وهو سيناريو شبيه بما حصل في الجولان قبل فترة عندما اندفع فلسطينيون لاجتياز الحدود فحصدتهم إسرائيل، وكأن المقاومة أن تذهب لعدوك بهذه الطريقة الساذجة ليقتلك. وقد كان الهدف من هذا الانتحار الجماعي لفلسطينيين في سوريا ولبنان يدفعهم قادتهم من عملاء سوريا لهذا المصير أن يدعي نظام الأسد أنه يقاوم ويمانع، وفي نفس الوقت يغطي على مذابحه ضد شعبه، لكنها حركات مكشوفة من نظام بات عاريا. المجد لمصر ..والتحية لجيشها العظيم.