الدكتور علاء الدين النهري نائب رئيس المركز القومي للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء ل «المصريون»:
الإمبراطور هيلاسلاسي رفض الإغراءات الأمريكية ببناء أربعة سدود لصداقته بعبدالناصر.. وتجاهلنا لإثيوبيا جعل لإسرائيل موطأ قدم
لجنة المفاوضات تعاطفت مع مصر وأوصت بملء خزان سد إثيوبيا في 10 سنوات
علاقتنا مع الأفارقة يجب أن تقوم على التبادل المنفعي.. والمقابل السياسي والاجتماعي أفضل من المقابل المادي في نفوس الأفارقة
النيل فقد 95 كيلو مترًا من مجراه بسبب تعديات الأثرياء.. والدلتا مهددة بالغرق بعد 90 سنة
الحكومات السابقة أهملت عشرات الأبحاث العلمية عن سيناء فأصبحت مرتعًا للإرهاب.. والموارد المعدنية قادرة على توطينها بملايين المصريين
أكد الدكتور علاء الدين النهري،نائب رئيس المركز القومي للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، أن امتلأ سد النهضة الإثيوبي في 3 سنوات يقضي على 2 مليون فدان من أجود الأراضي الزراعية، مشيرًا إلى أن لجنة المفاوضات تعاطفت مع مصر وأوصت بملء خزان سد إثيوبيا في 10 سنوات. وقال "النهري" في حواره مع "المصريون" أن الإمبراطور هيلاسلاسي رفض الإغراءات الأمريكية ببناء أربعة سدود لصداقته بعبد الناصر، وأن تجاهلنا لإثيوبيا جعل لإسرائيل موطأ قدم، مبينًا أن علاقتنا مع الأفارقة يجب أن تقوم على التبادل المنفعي، وأن المقابل السياسي والاجتماعي أفضل من المقابل المادي في نفوس الأفارقة.
** في البداية.. لقد وقعت مصر عقدًا بالمشاركة في القمر الصناعي إيجي سات بعد توقف عن العمل العملي دام أربع سنوات منذ اختفاء القمر الذي أطلقناه سنة 2007، فكم ستكون نسبة المشاركة المصرية؟ سنشارك في التصنيع والتصميم بنسبة 60%، والدولة الوحيدة التي قبلت أن تشاركها مصر في ذلك هي الصين.
** هل سنشارك الصين فقط لأنها الدولة الوحيدة التي قبلت مشاركة مصر؟ لا بالطبع.. فالصين تمتلك تكنولوجيا جيدة جدًا، ولكني أعني أن الدول الأوروبية بشكل عام ترفض أن تشاركها مصر في عملها.
** ولكن أوكرانيا وافقت قبل ذلك؟ هذا صحيح.. ولقد جربنا أوكرانيا في العمل قبل ذلك، ولكننا نحتاج أن نقوم بتغيير التكنولوجيا التي نستخدمها ونعلم بها كوادرنا للجيل الثاني.
** هذا يعني أن تكنولوجيا القمر الجديد سيكون أعلى من تكنولوجيا إيجيبت سات ون؟ بالتأكيد.. سيكون أكثر تطورًا؛ فنحن دائمًا نقوم بالتطوير في مواصفات القمر. ** وهل للقمر نفس المهام؟ سيكون له نفس المهام، ولكن بدقة أعلى، فالقدرة التكنولوجية للقمر المصري السابق كانت 6.25 متر، فأصبحت القدرة التفريقية 2 متر فقط، وهذا يعني تحسين القدرة التفريقية، فكنا في السابق لا يمكن أن نميز أي معلم من خلال الصور إذا كان أقل من 36 مترًا، فلا يمكننا على سبيل المثال أن نميز سيارة تنطلق على أحد الطرق مثلاً، ولكن من خلال القدرة التفريقية التي تصل إلى متر في متر يمكننا رؤيتها، لذلك يجب أن نحسن القدرة التفريقية في القمر، وفي نفس الوقت يجب أن نرى متطلبات الباحثين في هيئة الاستشعار عن بعد، لتحديد المواصفات التي نحتاجها في القمر الجديد، فعلى سبيل المثال إذا كنا سنعمل في الزراعة فالطول الموجي لها هو الديزابول والتحت حمراء القريبة، لأن من ارتداد الديزابول تظهر صفات النبات.
** البرنامج كان يتضمن ثلاثة أقمار، إيجيبت سات وإيجي سات 2 الذي أطلق من خارج إطار الهيئة وإن كانت الهيئة تحاول أن تنسبه لنفسها؟ الهيئة لا تحاول أن تنسبه لنفسها، ولكنها الحقيقة المجردة، فالهيئة ساهمت في التصميم، وهي التي ستسوق الصور.
** معنى هذا أن القمر الذي سينطلق في 2017 هو القمر الثالث في الخطة الذي يطلق عليه ديزرسات؟ سيكون القمر الثاني في الخطة، هو تعطل قليلاً ولكنه سينطلق في 2017، أما الديزرسات فسيكون القمر الثالث.
** هذا يعني أنك غير معترف بإيجي سات2؟ لا بالتأكيد... أنا معترف به تمامًا، ولكن القمر ديزرسات سيخرج بنفس الاسم، ولكن كان يوجد تعطيل في الفترة التي حدث فيها تعطل. ** هذا القمر سيصنع بمنحة صينية لا ترد بقيمة 50 مليون دولار؟ التكلفة الكلية للقمر 50 مليون دولار، ولكن الصين ستمول 25 مليون دولار كمنحة لا ترد، ومصر ستمول 25 مليون دولار، أي أن التكلفة مناصفة بين مصر والصين.
** وبالنسبة للجدوى الاقتصادية للقمر، لقد أطلقنا إيجيبت سات ون ومن خلاله حصلنا على 5500 صورة ورغم ذلك لم يمكننا أن نقوم بتسويقها؟ أنت تحسبين الجدوى الاقتصادية كأموال نقدية داخلة وخارجة، ويجب أن تحسبيها كقيمة مضافة، وهذه القيمة قد تكون في تدريب الكوادر العلمية، أو قيمة مضافة للجامعات والمراكز البحثية، وهي قيمة لا يمكن أن نتجاهلها، ولا يجوز أن نقول إن القمر لم يحقق عائدًا ماديًا، لأن العائد الذي حققه عشرين مليونًا، وكان يجب أن يحقق مائة مليون، فأين القيمة المضافة التي أضافها للجامعة والبحث العلمي.
** وهل يكفيه أنه أنتج كوادر علمية؟ بالتأكيد.. فالجامعات حصلت على صور استفادت بها، بالإضافة إلى الكوادر التي تدربت داخل الهيئة؛ فالهيئة جهة غير هادفة للربح وهي في الأساس لخدمة البيئة والمجتمع، فعندما أخدم المجتمع العلمي في الجامعة أو البحث العلمي بشكل عام فهذا يعتبر قيمة مضافة، ويجب أن تحسب كجدوى اقتصادية. ** ولكن على الأقل يأتي بتكاليف صناعته؟ هذا غير مقنع علميًا، فتدريب باحث علمي على التقنية أهم وأكثر جدوى اقتصادية من العائد المادي، فالجدوى الاقتصادية أن يساعد في تخريج كوادر علمية، أن يحسن من الجامعة المصرية في العالم الخارجي، خاصة أننا جهة غير استثمارية، وإنما جهة هدفها توطين التكنولوجيا، وإسرائيل نفسها لا تغطي تكاليف تصنيع أقمارها الصناعية، ورغم ذلك أطلقت سلسلة أقمار، وأيضًا الهند التي كانت تعاني من الفقر الشديد ورغم ذلك كانت تطلق أقمارًا صناعية، لأنهم أدركوا أن تكنولوجيا الفضاء تأتي بموارد أخرى، وليست مجرد تكنولوجيا ترفيهية.
** وما الفوائد الاقتصادية للقمر؟ مصر تعيش على 5% من رقعة مصر، فكيف نتمدد بحيث نستغل أجزاءً أخرى، وكيف نستغل المورد إذا لم يوجد مصنع وبجواره مستشفى، فعلى سبيل المثال سيناء وهي البوابة الشرقية لنا والأمن القومي لمصر، يجب أن تتوطن بما لا يقل عن ثلاثة ملايين، فهذا أمن قومي في حد ذاته، وسيناء يوجد بها الموارد التي تكفي أن يعيش فيها هذا العدد بحيث يجدون فرص عمل، فما الذي سيكتشف هذه الموارد غير الأقمار الصناعية.
** وما الموارد التي اكتشفتم وجودها من خلال القمر الصناعي؟ لقد حددنا أماكن تجمع الرمال البيضاء، كما حددنا سعتها، ولكن ما حدث أننا نصدر المتر المكعب منه بحفنة من الدولارات، لأننا لم ننشأ مصنعًا للكريستال، فإذا أنشأناه في هذه المنطقة، سيزيد نسبة الاقتصاد بشكل ضخم، وسيعمل به الكثير من العمالة.
** تركيا تشتري منا الرمال البيضاء ب10 دولارات وتبيعه لنا مصنعًا ب8000 دولار؟ وهذا فرق كبير جدًا في السعر، بالإضافة إلى أنها شغلت عمالة في المصانع وفي التصدير والاستيراد والتجارة والتوزيع، كل هذه يمكن أن توفر عمالة كثيرة جدًا لمصر في صناعة واحدة، أيضًا الرمال السوداء وهي الموجودة على طول البحر الأحمر، توجد بها عناصر مشعة غير مستغلة تمامًا، ولذلك نقوم حاليًا مع وزارة التخطيط بعمل خريطة استثمارية للمعادن في مصر بتقنية تسمى الهيبرسبيكترال، وهذه التقنية لا نستخدم فيها القمر فقط وإنما نستخدم الطيران أيضًا، فلقد اشترينا كاميرا هيبرسبيكترال ووضعناها في طائرة الهيئة، ومن خلالها يمكن اكتشاف تلوث النيل.
** وهل استطعتم أن تحددوا شيئًا من خلال هذه التقنية؟ لقد قمنا بتحديد بقعة الزيت التي كانت بمصنع كوم إمبو، ولقد قدمنا تقريرًا استغرق منا ستة أيام، وعرضناه على وزير البحث العلمي الذي أرسله لوزير البيئة، إلا أن وزير البيئة أخذه مني ورماه على الرف، فإذا كانت تقنية الهيبرسبيكترال اكتشفت لنا تلوث المياه، فالقمر الصناعي سيكشف لنا الموارد التعدينية والزراعية ونوعية التربة وإذا كانت التربة بها معوقات إنتاجية مثل الملوحة، وإمكانية التنبؤ بإنتاجية الأرض، وهذا ليس بجديد فالعالم كله يفعل ذلك، ونحن أيضًا بدأنا في العمل في هذا منذ عشر سنوات.
** وهل سيساعد القمر في تنمية شرق العوينات خاصة أن كل خبراء الأراضي يقولون إنه مشروع تنموي عظيم؟ شرق العوينات في نظري هو أمل مصر في الاكتفاء الذاتي من القمح، ورغم ذلك لم تستغل إلى الآن الاستغلال الجيد، وسيساهم القمر في استغلاله، فقد عقدنا اتفاقية تعاون مع هيئة المواد النووية، بحيث إننا نستعين بطائرتهم التي تصور بالترددات المغناطيسية، ومن خلال إدماج صورهم مع صور طائرة الهيئة والقمر الصناعي يمكن تحديد عمر الخزان الجوفي، الذي يربط بين مصر وليبيا والسودان، فالبعض يقول إنه سيستغل لخمسين سنة، والبعض الآخر يقول مائة سنة، ولكن دون دراسات دقيقة، والأقمار الصناعية هي القادرة على القيام بهذه الدراسات.
** العمر الافتراضي للقمر الأول كان أقل من.......؟ مقاطعًا.. القمر السابق عمره الافتراضي كان ما بين أربع إلى خمس سنوات، وليس معنى أنه تلف بعد ثلاث سنوات ونصف أننا خسرنا، فقد كانت تجربة جيدة جدًا، ويكفي أننا من خلاله دربنا الجيل الأول، والنتيجة أننا اليوم نشارك في تصميم وتصنيع القمر الجديد بنسبة 60%، وهذا يعني أننا بدأنا بداية قوية، وستصل الهيئة بعد ذلك إلى إنتاج أقمارنا كاملة بأنفسنا.
** ذكرت أن الصين وافقت أن تدربنا بعد أن زارت معاملنا في القاهرة..؟ مقاطعًا.. هذا كان أحد شروطها لنشارك في التصنيع والتصميم، لأنهم كانوا رافضين في البداية، ثم عرضوا فكرة الزيارة، وعندما رأوا إمكانياتنا وكوادرنا العلمية المدربة، أعلنوا موافقتهم في المشاركة والتصنيع.
** الصين كانت أحد البلاد التي بدأت بعدنا في غزو عصر الفضاء بل وأرسلت بعثات لمصر للتدريب، فكيف حدث هذا الخلل؟ في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حققت مصر أعلى معدل تنمية في العالم، وهذا باعتراف الأمريكان الذين دونوه في كتبهم، وحددوا أن هذا المعدل حققته مصر من سنة 1960 وحتى 1965، فقد أنشأ عبدالناصر ألف مصنع في هذه الفترة، أما الفترة اللاحقة لذلك وحتى عصر الإخوان كان الجميع يتصارع ولا يوجد عمل ولا إنتاج، ففترة حسنى مبارك بالكامل كانت تنشأ مصانع البسكويت وأهملنا الصناعات الثقيلة، وبالتالي من الطبيعي أن تتقدم الصين لأنهم ساروا في مسار واحد لم يغيروه، إنما مصر تسير بالأمتار ثم تعود لتبدأ من جديد.
** هذا طبع مسئولينا مع كل مسئول جديد تغيير للاستراتيجية وتغيير في الخطة؟ ولذلك يجب أن نقيم دولة المؤسسات، ففي دولة المؤسسات تقدم وزارة البحث العلمي أو أي وزارة من وزارات الدولة خطة استراتيجية وتستمر عليها، ويحاسبون الوزير عليها في آخر فترة وزارته، فإذا كان أنجز من الخطة 10%، يكمل الوزير اللاحق له مسيرة الخطة ولا يهدمها ويبدأ من جديد.
** ذكرت أن القمر سيكتشف المياه الجوفية تحت الأرض فمن خلال أي نوع من التقنية؟ يوجد نوع من الأقمار وهي الأقمار الرادارية تخترق الأرض في الصحراء من أربعة أمتار إلى عشرين مترًا، فالتربة الصحراوية بها جفاف، ومن خلال المؤشرات يمكن معرفة إذا كان المكون الصخري به مياه.
** هذا يعني أن القمر سيكون قادرًا على اختراق الصحراء لعمق عشرين مترًا؟ ليس القمر إيجي سات الذي سنطلقه في 2017، وإنما القمر القادم هو الذي سيكون قادرًا على اختراق الصحراء على عمق عشرين مترًا، لأنه سيكون راداريًا.
** وفي هذه الحالة سيكون قادرًا على اكتشاف الأنفاق التي توجد بسيناء؟ القمر القادم سيكون بالتأكيد قادرًا على كشف الأنفاق في سيناء لتوفر التقنية الرادارية، أما الآن فنحن نشتري من الخارج صورًا رادارية تكشفها، ولكن يمكن كشفها من خلال تركيب كاميرا رادارية على الطائرة ولكن ليس على القمر. ** ومتى ستقومون بتركيب الكاميرا الرادارية على الطائرة خاصة ونحن في ظل إرهاب الأنفاق؟ هي في خطتنا في العام القادم، لأنها غالية جدًا وتحتاج إلى ميزانية خاصة، فثمنها يصل إلى خمسة ملايين دولار، وفي العام الحالي طورنا الطائرة ووضعنا بها تقنية تصوير الهيبر اسبيكترال، وسننطلق بها خلال أسبوعين إلى الواحات البحرية من أجل الحديد.
** القمر الأول ربى جيل أول رغم حجم التسريبات والهجرة للشباب المتدرب والتي وصلت بنسبة 60%.......؟ مقاطعًا.. هذا غير صحيح، على العكس لقد عاد أحد المتدربين من اليابان، فالدكتور مدحت مختار، رئيس الهيئة، يعمل بجد طوال الوقت، وهو الذي كان يجري خلف برنامج الفضاء.
** وكم حجم الباحثين العائدين من الخارج؟ الدكتور محمد محمود وهو من أهم الحاصلين على التدريبات الكاملة في أوكرانيا، ولقد عاد من اليابان، وإذا قاد كل مجموعة من مجموعات الهيئة باحث واحد من الكوادر التي تدربت في أوكرانيا، وقتها لن نفقد شيئًا؛ لأن كل كادر منهم مدرسة كاملة.
** ولكننا بصدد تصنيع قمر ثانِ فهل اخترتم الجيل الثاني من الباحثين؟ بالتأكيد.. فالهيئة كل سنة تستضيف طلبة كليات هندسة الطيران والإلكترونيات في الهيئة، ونمنحهم دورة تدريبية، ثم نختار منهم العناصر المتفوقة، ونمنحهم أجرًا لنوقع معهم عقودًا، وهذا بدأه الدكتور مدحت مختار، أي أننا نجري تعويضًا وإحلالاً سنويًا.
** لقد أجريت دراسات بحثية تمس صلب المشاكل في مصر، منها على سبيل المثال دراسات حول حوض النيل وجزره؟ الحقيقة أن أكثر اهتماماتي تنصب على حوض النيل والتعديات التي تحدث فيه، ولقد قمت بدراسة تؤكد أننا فقدنا 95 كيلومترًا من مجرى نهر النيل من سنة 1975 وحتى سنة 2003 بسبب التعديات على نهر النيل، أي في 28 سنة.
** إذا فصلنا دراسة حوض النيل، ما التأثير السلبي لسد النهضة على مصر والتي رصدتها بصفتك متخصصًا في الاستشعار عن بعد؟ لقد جاهدت كثيرًا لإقناع دول العالم بالضرر الذي سيلحق مصر بسبب سد إثيوبيا، إذا أصرت على ملء خزان السد بالمياه في عام واحد، لأن الخزان سعته 74 مليار متر مكعب، وحصة مصر 55.5 مليار متر مكعب، وفي هذه الحالة ستحجز عن مصر مياه فيضانين وليس فيضانًا ونصف، وهذا سيجعل النيل كاليابس تسيرين عليه بقدمك، لذلك وأنا أعرض الأمر على لجنة الأممالمتحدة، ذكرت أننا لا نريد الإضرار بإثيوبيا، ولسنا ضد تنميتها، ولكن دون الإضرار بمصر.
** وماذا عن السودان ألن يصيبها الضرر هي الأخرى؟ السودان لن يصيبها الضرر ليس فقط بسبب أمطارها الغزيرة، وإنما بسبب انهيار سدودها، وبالتالي يهمها أن يقام سد يحجز عنها الفيضانات، ولذلك فهي لم تقف معنا في هذه الأزمة وقفة جادة.
** وما الحل؟ حتى لا يمس مصر أي ضرر في أزمة مائية، يجب أن يخزن النهر مياهه في عشر سنوات.
** وفي هذه الحالة لن تفقد مصر مياهها وستحصل على حصتها كاملة؟ لا بالطبع.. ولكن التأثير سيكون في فقد 5.5 مليار متر مكعب، وهو ما يمكن أن نعوضه من بديلة مثل المياه المخلوطة، فالفلاح المصري شاطر يمكن أن يجد بدائل، فالدلتا تزرع بالمصارف، وترعة السلام بها خلط بنسبة 50%، وبعض الفلاحين يستخدمون المياه الجوفية رغم أنها ليست مضبوطة. ** وهل وافقت لجنة المفاوضات على ملء السد في فترة زمنية متباعدة؟ لقد تعاطف معنا أعضاء اللجنة، ووضعوا في التوصيات ضرورة ملء السد في فترة زمنية متباعدة، بحيث لا يحجزون المياه مرة واحدة عن مصر.
** هذا إذا تحمّل السد؟ سيتحمل فهم ليسوا من الغباء الذي يجعلهم يقومون بسد يمكن أن ينهار، بالإضافة إلى أنهم يستعينون بشركات عالمية كبرى.
** ولماذا لا تشارك مصر في بناء السد؟ كنت أتمنى أن تشارك مصر في بناء السد، حتى يمكننا وضع مواصفات لا تضرنا، ولكن السد بني وقت مباراة مصر والجزائر، فكانت إثيوبيا تنشئ السد ونحن نشاهد المباراة، خاصة أن فترة حكم مبارك كانت غير مهتمة بإفريقيا، رغم أن عبدالناصر كان يزور إثيوبيا أكثر من مرة سنويا، والإمبراطور هيلاسلاسي إمبراطور إثيوبيا كان دائم الوجود في مصر، ووقت بناء السد العالي حاولت أمريكا كثيرًا أن تغري الإمبراطور الإثيوبي ببناء 4 سدود على نفقتها، ولكن "هيلاسلاسي" رفض حتى لا يؤذي صديقه عبدالناصر، واليوم وبعد أن تجاهلنا إثيوبيا أصبح لإسرائيل موطأ قدم في إثيوبيا.
** ألا تري أن العلاقات المصرية يجب أن تقوم على تبادل المنفعة..؟ مقاطعًا.. بالتأكيد علينا أن ندرك أن علاقاتنا مع دول الحوض أو مع إفريقيا قيمة مضافة لنا ولهم، وقد أكدت للكثير من العلماء الأفارقة إمكانية تدريبهم في مصر، وهذا التعاون لا يجب أن يكون بمقابل مادي، فالمقابل السياسي والاجتماعي سيكون الأفضل والأبقي في نفوس الأفارقة، مثلما تفعل الصين التي تمنحنا منحة لا ترد في التصنيع الفضائي، لأنها تريد أن تتوغل في هذا المجال إفريقيًا وعربيًا من البوابة المصرية.
** تحدثت عن مشروع علمي للهيئة خاص بحوض النيل، على ماذا يقوم وما وجه الاستفادة العلمية منه؟ المشروع قائم على إعداد سيناريوهات في حالة إنشاء سد النهضة الإثيوبي، ومدى تأثيره على المجري المائي وخزانات المياه في أسوان وتأثيره على السد العالي وحتى التربة والأراضي الزراعية، فعلى سبيل التقديرات تؤكد أن امتلاء السد في 3 سنوات ستفقد مصر 2 مليون فدان، والسيناريوهات التي سنضعها ستكون أمام القيادة السياسية لاتخاذ القرار، وإن كنا نرى أن امتلاء السد في 10 سنوات لن تسبب مشكلة كبيرة، وهذه السيناريوهات ستشمل أيضًا الجانب الاقتصادي والاجتماعي وعلى مياه الشرب والزراعة.
** تلك السيناريوهات سيقوم بها القمر الجديد؟ بالطبع.. هل تعلم أنه بمجرد الإعلان عن إطلاق "إجي سات2"، وبمجرد الإعلان عن مدى قدرة القمر والاستفادة منه على الحدود المصرية حتى منابع النيل، تخوفوا من إمكانية التجسس عليهم، رغم أن منابع النيل تاريخيًا تعد من الحدود الأمنية والقومية لمصر، دون الإضرار بالطبع بالمصالح الاقتصادية لتلك الدول وبحقها في التنمية، لذلك كنت أتمني مشاركة مصر في بناء السد، حتى يشعر أنني أتمنى له الخير.
** هناك أيضًا مشروع لتنمية سيناء ومشروع قناة السويس الجديد، وكما نعلم سيناء أنه تم تجاهلها سنوات طويلة ولم يلتفت لها أحد، فلماذا تم تجاهلها بحثيًا إلى هذا الحد؟ وماذا سيحقق ذلك المشروع التنموي؟ مَن قال إننا تجاهلنا سيناء بحثيًا، هذا ليس صحيحًا، وهناك عشرات المشاريع البحثية التي لو تم تطبيقها لما دخلت في مستنقع الإرهاب، واليوم هناك أكبر مشروع بحثي على مدار تاريخ الهيئة من إنشائها، فقد كرسنا كل جهودنا البحثية لدراسة سيناء وآلية تنميتها في جميع المجالات، ولدينا بالفعل دراسات في شمال سيناء وجنوبها في مجالاتها العام الماضي، وتحت أمر القيادة السياسية.
** بعد حرب أكتوبر كان هناك مشروع زمزم لتوطين 4.5 مليون مصري خلال 10 سنوات ولكن لم يحدث هذا، من خلال دراساتكم هل تعتقد إمكانية توطين هذا الكم من البشر؟ بالتأكيد يمكن ذلك، فإذا ربطنا سيناء بقناة السويس التي لا أراها مجرد ازدواج للمجري، وحتى نصل إلى 100 مليار يجب أن ننشئ المشروعات اللوجيستية، بالإضافة إلى المناطق العمرانية والتسويقية، حتى تصبح مثل دبي أو سنغافورة لأنها موقع متوسط، تلك المشروعات اللوجيستية وحتى احتياجات المستثمرين سيتم توفيرها من سيناء، فسهل الطينة على سبيل المثال لم يستغل بشكل جيد حتى الآن، بل تم إهداره بشكل كبير ما بين مزارع سمكية ومزارع الأرز، وتلك الأرض درجة ملوحتها ضئيلة، وهناك أراضٍ رملية يمكن زراعتها بترعة السلام ومياه المطر، وهناك الرمال البيضاء والسوداء والطفلة والحجر الجيري، كلها مؤهلات تساهم في توطين ملايين البشر.
** هيئة المواد النووية قطعت شوطًا كبيرًا في رسم خريطة للمعادن في الصحاري الشرقية والغربية وسيناء، فلماذا لا يكون هناك تعاون في هذا المجال؟ هناك بالفعل تعاون.. ولديهم بالفعل خرائط الماجنيتك ولكنها للأسف غير كافية للتعرف على المعادن، ولكنها تحتاج إلى الكاميرا الهيبر التي سيوفرها القمر الجديد لعمل الخريطة بشكل متكامل، وهناك بالفعل دراسات متكامل في الواحات التي سنبدأ منها في إطلاق أول خريطة استثمارية للمعادل المصرية.
** إذا تحدثنا عن مثلث حلايب وشلاتين سنجد أنها في الفترة الأخيرة حظيت باهتمام بحثي كبير لتنميتها، رغم غناها بالمعادن والثروات الطبيعية، وقد طلب مؤخرًا الرئيس عبدالفتاح السيسي، بسرعة تنميتها من خلالكم، فما الذي ستقدمه الهيئة لتحقيق ذلك؟ من خلال ميزانية ضخمة لعمل دراسات على المنطقة من ناحية الثروات التعدينية والمناطق الزراعية الواعدة وحتى المياه الجوفية والاستفادة من السيول ودراسات السيول، وهناك دراسات بحثية منذ 20 سنة، ولكن للأسف القيادة السياسية كانت تتجاهل تلك المنطقة.
** حذرت كثيرًا في أبحاثك عن تآكل الدلتا وتعرضها للغرق، بل إنك أول مَن تحدث في بحث علمي دولي من تلك الكارثة، كيف تراها اليوم وهل تعتقد أن التعامل الحكومي معها يسير بشكل جيد؟ منذ خمس سنوات قمت بعمل بحث علمي مشترك مع عالم الماني بجامعة هوهنهايم بشتوتجارت بألمانيا، وأثبتنا فيه أن الدلتا مهددة بالغرق نتيجة ارتفاع سطح البحر، نتيجة للأنشطة الأوروبية والمتقدمة، وهم مسئولون عن زيادة الانحباس الحراري، وقولنا إن الدلتا ستغرق بعد 90 سنة، وطالبنا بسرعة حماية الشواطئ، ولكن الموارد المالية تقف حائلاً أمام تحقيق أي توصية.