تأملت مليّا في عبارة استهل بها الدكتور محمد عيّاش الكبيسي ممثل هيئة علماء المسلمين ( العراقية) بالخارج حديثه لقناة الجزيرة السبت 2611427ه الموافق 2522006م على خلفية الاعتداء الذي طال مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري بسامراء ، وما تبع ذلك من عمل عدواني آثم طال عشرات المساجد السنيّة ، كما عشرات الأفراد المنتمين إلى الطائفة عينها. حيث نفى الدكتور الكبيسي أن يكون الحدث المنذر بفتنة طائفية اليوم مندرجا في حقيقته في إطار الخلاف الطائفي . وعزاه إلى أجندة سياسية يراد تمريرها من بعض القوى الإقليمية وعملائها الذين لاصلة لهم بالسنة أو الشيعة ، لكنها تحرص على تمرير مخططاتها تحت غطاء الطائفية، على حين لاحقيقة لذلك ؛ إذ تعايش أبناء الطائفتين على مدى قرون مديدة ، من غير صراع ولا فتنة . واستشهد الكبيسي على ذلك بأن العراق لم يشهد تظاهرات مماثلة كالتي استعرت بُعيد حادثة الاعتداء على المرقدين بحادثة أهم وقعت إبّان الاجتياح الأمريكي للنجف ضدّ التيار الصدري حين تم تدمير ضريح الإمام عي بن أبي طالب – رضي الله عنه- ، مما يؤكّد أن المسألة لا علاقة لها بالاعتداء ، بل بالمخطط السياسي المشار إليه . أعتقد أن لهذا المنطق المسئول من قبل شخصية بحجم الدكتور الكبيسي دلالاتها التي لاتخفى على متابع للشأن العراقي وتداعيت أحداثه المتفاقمة ، في وجه غلاة دعاة الطائفية المنتمين- بحكم البيئة والواقع - إلى الطائفة الشيعية ، وكذلك الحال مع غلاة الطائفية باسم السنّة، حين هلّل بعضهم لسقوط جسرالائمة في بغداد، وعدّه عقابا إلهيا. يحتار المرء حقاً حين يستعرض أبرز وجوه دعاة الطائفية من السياسيين يجرجر علماء الدين وفقهاء الشريعة من الطائفتين وراء مآربه ومخططات الجهات الخارجية التي تمتطيه بغية تحقيق أهدافها . وعلى سبيل المثال- وإذا حكّمنا الشرع والعقل لا العاطفة الهوجاء والأهواء المريضة- فهل لأمثال أحمد الشلبي الذي مثّل العين والدليل الأول لقوات الاحتلال الأمريكي ، وصاحب أكبر أكذوبة في التاريخ المعاصر عن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل صلة من أي وجه بالطائفة الشيعية استقامة أو التزاماً بالمذهب الشيعي ؟ وقل مثل ذلك عن إياد علاوي وبيان جبر صولاغ وغيرهم كثير . وبالمثل فهل لأمثال صدام حسين ومن على شاكلته من حيث الفكر والمسلك علاقة من أي وجه بالانتماء السنّي الذي يعرفه أحرار علماء السنّة وشرفاؤهم ممن شهد في عهده من القمع والقتل والإذلال ما لايجادل فيه إلا متعصّب أو مكابر أو جهول أو صاحب مصلحة ذاتية رخيصة . وقل مثل ذلك – مع فارق الوجهة السياسية ليس أكثر- عن عدنان الباجه جي أبرز الوجوه الأمريكية التي قادت المحتل الأمريكي إلى بغداد جنبا إلى جنب مع الشلبي ، أو سعدون الدليمي وزير الدفاع السفاح الشهير، الذي من آخر مآثره السبت 2611427ه الموافق 2522006م ، وفي أجواء محاولات تهدئة الفتنة الحالية في سامراء أن أرسل قواته البواسل لقصف منزل رئيس هيئة علماء المسلمين الدكتور المجاهد حارث الضاري والسعي نحو اغتياله في أجواء المواجهة بين أفراد السفّاح الدليمي( السنّي)، وأبناء منطقة خان ضاري الذين انبروا للدفاع عن رمز شرف أهل العراق المجاهد الضاري. في مقابل ما تقدّم وحين يستعرض المرء وجوها مرجعية بارزة من أبناء الطائفة الشيعية من أمثال مقتدى الصدر أو جواد الخالصي أو أحمد البغدادي في العراق ، و حسن نصر الله و محمد حسين فضل الله خارجها فيجد تطابق مواقفها في مواجهة الاحتلال ، وتفويت فرصة الفتن التي تسوّق طائفياً من قبل سياسيي الطائفة جنباً إلى جنب مع الدكتور حارث الضاري ومحمد بشار الفضي ومحمد عايش الكبيسي وطارق الهاشمي وأضرابهم فلا يسعه إلا أن يستنتج أن ما يجري على أرض العراق سياس بامتياز أيّا ماحاول دعاة الطائفية السياسية وشيعة ( كوندا ليزا رايس) إلصاقه بطائفة الشيعة جميعا ظلما وبهتاناً. كما أن انجرار بعض أبناء الطائفة السنّية في العراق أو خارجه وراء ردّ الفعل الأعمى لترديد أن ما يجري ليس إلا مخطط شيعي يقدم عليه أبناء الطائفة استنادا إلى تاريخهم ومعتقداتهم وتعاليم مرجعياتهم بإطلاق ليس إلا إسهام – من غير قصد عادة- في تكريس الفتنة التي يراد لها أن تصبح طائفية ، على حين تؤكد الشواهد العميقة خلاف ذلك . قد يقال – في هذا السياق – حسنا لو سلّمنا بهذا المنطق فماذا يمكن أن يقال عن موقف أبرز مرجعيات الطائفة الشيعية السيد علي السيستاني ، سواء في موقفه المخيّب للآمال إبان اجتياح الأمريكان للنجف الأشرف ، ودخول الصحن الحيدري، وتدمير ضريح الإمام علي بن أبي طالب، أم في تهييجه لعوام الشيعة في فتنة سامراء الحالية ، حين دعاهم للتظاهر ، هذا فضلا عن صمت أهل القبور الذي لزمه إبّان اجتياح الفلوجة في المرة الأولى والثانية ؟! الحق أقول - مرة أخرى- إن تصوير الأمر طائفيا استنادا إلى شواهد كهذه سيصطدم بشواهد مقابلة للتيار الصدري والمدرسة الخالصية والبغدادية ( نسبة إلى أبرز مرجعياتها المؤسسة) ،وآخرها التقاء التيار الصدري على وجه الخصوص مع هيئة علماء المسلمين والحزب الإسلامي للتوافق على تفويت الفرصة على دعاة الفتنة وإدنة الاعتداء على الضريحين والمساجد ،ووصف ذلك بالعمل الإرهابي. هذا إلى جانب الصلاة معا في مسجد أبي حنيفة، وراء إمامة عالم سني . ومن الجهة المقابلة فإن حصول مواقف خيانية لدى أبرز مرجعيات الطائفتين أمر لايؤذن باتهام شامل عام لأتباعهما . ولئن استحضرنا خيانة السيستاني هنا - ولا كرامة- فإن خيانات مماثلة أقدمت عليها مرجعيات سنيّة كبرى لا تقودنا إلى اتهام مماثل لأبناء الطائفة السنيّة أو علمائها . هل نسينا أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات لم يوقع اتفاقية العار( كامب ديفيد) إلا ولديه سند من علماء سنّة كبار في مقدمتهم مرجعيات أزهرية لايشق لها غبار، أو هكذا صوّر الأمر حينذاك ؟. وإذا كان بعضنا قد نسي الحدث البعيد نسبيا فإن فتاوى بعض الرموز الأزهرية بما فيهم أعلى الأصوات في أرفع المواقع الرسمية لتلك المؤسسة لا تنتظر إلا إملاء السلطة عليها لإصدار الفتوى الملائمة لسياساتها الخارجية على وجه الخصوص . وما الاضطراب الحاصل تجاه العمليات الاستشهادية في فلسطين لشيخ الأزهر الحالي محمد سيّد طنطاوي إلا نموذج على ذلك . بيد أن أخطر تلك الفتاوى ( السنيّة ) الصادرة عن بعض المرجعيات التي تتبوأ مناصب رفيعة في بلاد الحرمين على سبيل المثال ، قد قدمت من قبل الشيخ عبد المحسن العبيكان مستشار وزارة العدل هناك، لتقولها صريحة – من غير أي تثريب يذكر من قبل المؤسسة الدينية هناك- إن الجهاد في العراق ضد قوات الاحتلال أمر لا يجوز،وإن الحكومة التي أتى بها الاحتلال في عهد سيئ الذكر إياد علاوي شرعية، لا يجوز الخروج على حكّامها، وإن المقاومةعلى أي نحو تمثل فكر الخوارج التكفيريين!!