لا يجب أن تستمر الاعتصامات والمظاهرات أكثر من ذلك ولا أن يظل الشارع يحكم مصر، فقد انعكس ذلك في الفوضى وغياب القانون والموكلين بتنفيذه. أخرج من العاصمة وسر بسيارة بدون لوحات مثلا على الطريق الصحراوي إلى الإسكندرية، أو خذ الزراعي من الإسكندرية إلى دمنهور. لن يسألك أحد من أنت ومن أين تلك السيارة وماذا فيها. بل إن الطريق الصحراوي صار مظلما بعد أن أطفئت أعمدة الإنارة المنتشرة في معظمه، وكانت قد حولته في الأعوام الماضية إلى واحة للأمان. لماذا لم يسأل مسئول حكومي في القاهرة: ما الداعي لاطفاء إنارة الطريق الصحراوي، وإذا كانت مصابيحه غير صالحة فلماذا لا تستبدل، هل هي مكلفة إلى هذا الحد؟! الإسكندرية لم تصل في تاريخها إلى السوء والاهمال الذي أصبحت عليه هذه الأيام. فوضى عارمة. سيارات تسير في الاتجاه المعاكس بدون خشية لأنه لا يوجد ضابط أو عسكري مرور يسألها. التوك توك يسير في جميع شوارعها وميادينها بجرأة متناهية، بل إن الطريق الصحراوي نفسه صار مزدحما بالتوك توك. الباعة الجائلون افترشوا منطقة المنشية أمام وبجانب منصة الجندي المجهول، فساءت تلك المنطقة الجميلة وصارت موقفا غير شرعي للسيارات. أما الكورنيش فلم يعد هو كورنيش المدينة الجميلة الراقية في سالف الأيام. هذا في قلب المدينة أما في الأطراف كالعجمي مثلا فحدث ولا حرج. غياب كامل للقانون وسيطرة غاشمة للفوضى ولا وجود لأي شرطي. إذا انتقلت من الإسكندرية إلى الجنوب وخذ الأقصر مثالا، تجد الاهمال الكامل. مافيا من سيارات الأجرة وعربات الحنطور تقف أمام الفنادق الكبيرة لتمنع سيارات السياحة التي يفضلها السائح من الاقتراب، فإذا تصادف وتجرأت سيارة، يتم انزال السائحين منها بالقوة رغم صراخهم وتوسلاتهم، ويجبرون على ركوب عربات الحنطور التي تجرها الأحصنة. شرطة السياحة لا تتدخل، لأنها تخشى تلك المافيا، ولا تجد أمامها سوى ابعاد السيارات السياحية وبذلك يفقد أصحابها رزقهم، وفقدت المدينة سلطة القانون وغرقت في الفوضى العارمة. لعل الدكتور شرف ينقل اهتمامه من ميدان التحرير وميادين الاعتصام والمظاهرات الأخرى إلى العمل الجدي لعلاج نواحي القصور الكثيرة خارج العاصمة، فالحرية والديمقراطية لا تعنيان أن نتحول إلى وطن يعشش فيه الإهمال ويرتع الفوضيون الذين صاروا حكاما وقياصرة لشوارع منفلتة. وللحق لن ييتفرغ لذلك الدكتور شرف في ظل استمرار المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات ومكلمات القنوات الفضائية التي تقتات من ميدان التحرير. لقد هبط معدل النمو إلى سالب أربعة ونصف في المائة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، وهذا الانحدار لم نصل إليه في أسوأ عهود الاقتصاد المصري، ففي عز الأزمة الاقتصادية العالمية وصل معدل النمو إلى 4%. يجب أن نثبت أننا شعب يستحق الحرية والديمقراطية والانتخابات النزيهة والحاكم العادل وحقوق الإنسان، ويحترم النظام والقانون ولا يتمرد عليهما في غياب السلطة. في الخليج تقف السيارات أمام الاشارة الحمراء في أي وقت رغم عدم وجود عسكري مرور. أما نحن فلا توجد إشارات حمراء أمامنا في الطرق أو الانتاج أو المصالح القومية والاستراتيجية. متى نخرج من هذه اللخبطة ونزيل الخيام التي ما أن تجول ببصرك في ميدان أو حديقة حتى تجد الكثير منها وبداخلها معتصمون ومتظاهرون! أصبحنا وطنا من الخيام، لا عمل ولا انتاج. ومع ذلك يطالب المتظاهرون برفع الحد الأدنى للأجور! هل ستطبع لهم الحكومة ورق بنكنوت لترفع أجور من لا يعملون ولا ينتجون مكتفين بالنوم في الخيام؟!