ثمة اعتقاد متزايد بأن أجواء الشرق الأوسط ملائمة تماماً لحرب صهيونية على طرف أو أكثر، وربما تعتقد “إسرائيل” أن الرأي العام العربي المنشغل بالثورات لن يصفح عن أنظمته ويحول تظاهراته ضد حرب “إسرائيلية” محتملة وبالتالي سيكون مستبعداً إلى حد ما من حسابات الحرب، في حين لن تقوى الدول المستهدفة ب”الثورات” على دعم المقاومة كما فعلت في حرب العام 2006 إلا في حالة واحدة هي أن تحقق هذه الأخيرة انتصارات سريعة وحاسمة تعيد تغيير خريطة المنطقة رأساً على عقب . ومن بين المؤشرات أيضاً ذلك الاندفاع نحو المصالحة الفلسطينية الفلسطينية واتفاق الدول العربية على التوجه نحو الأممالمتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل لانتزاع اعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وألا شيء يحول دون ذلك غير تفكيك محور المقاومة وإتاحة الفرصة أمام سلطة رام الله كي توافق على يهودية “الكيان” وأن تقبل بإلغاء حق العودة مقابل دولة فلسطينية تابعة للكيان الصهيوني ولا تلوي على تحدي إرادته . ومن غير المستبعد أن تراهن الدولة العبرية على حرب خاطفة ورابحة تتمكن من خلالها التأثير على الخريطة السياسية العربية التي يعاد تشكيلها بحيث يحل في مصر نظام شبيه بالنظام السابق من دون رموزه، وأن يؤدي هذا الانتصار إلى توسيع هامش المناورة الأمريكية في المنطقة، وبالتالي إلى تدعيم التيار الجمهوري المتشدد والمؤيد بقوة للكيان ومن دون شروط وتوفير فرص نجاحه في الرئاسات الأمريكية المقبلة . ومن بين المؤشرات أيضاً وأيضاً أن “تل أبيب” تريد استغلال النفط والغاز في المتوسط بشروطها وبعيدا عن ضغط المحور الرباعي الذي يحيط بالمنطقة البحرية الصهيونية بين غزة وبيروت، علماً بأن الثروة المتوسطية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، وبالتالي فهي شديدة الحيوية بالنسبة ل”تل أبيب” خلال ربع القرن المقبل . ولعل المناورات العسكرية الشاملة التي أجراها الجيش الصهيوني خلال العام الجاري والأعوام السابقة لا غرض لها سوى الانتقام لحرب 2006 وتحسين البيئة الأمنية للصهاينة والأمريكيين في هذه المنطقة التي تلهبها الثورات . بيد أن فرضية الحرب لا تني تصطدم بالحديث عن حرب نفسية و بعناصر كابحة تجعل من هذا الخيار مضراً بسلامة الدولة العبرية وحلفائها في المنطقة، ومن بين أبرز هذه العناصر نذكر إصرار دول الممانعة والمقاومة على القتال معا في أية حرب مقبلة مع “الكيان” الأمر الذي يقلص فرص اشتعال الجبهات في المدى المنظور ناهيك عن ازدياد قوة وفعالية حزب الله وحماس وبالتالي صعوبة القضاء على أي منهما في حرب خاطفة أو صاعقة، ومن ثم المخاطرة بإعادة المنطقة إلى مربع الصراع العربي “الإسرائيلي” الأول وما يترتب عليه من تجميد أو إلغاء محاولات تغيير الحكومات المعرضة للانهيار جراء الثورات المندلعة منذ شهور، لا بل حمل الحكومة المصرية على انتهاج سياسة مناهضة بقوة ل”إسرائيل” ولاتفاقات كامب ديفيد، وتوسيع هامش المناورة أمام الحكومة السورية لتغليب العامل الوطني على العامل المحلي، هذا فضلاً عن توريط الأطلسي بصراع مفاجئ في لبنان في حين يعاني من صعوبات جدية في الحرب الليبية والتسبب بمخاطر للقوات الأمريكية التي تستعد للرحيل من العراق وأفغانستان . في الذكرى الخامسة لحرب يوليو/تموز 2006 ما انفكت “إسرائيل” تقول: ليس السؤال المطروح هل تقع الحرب أو لا تقع وإنما متى وأين؟ أكبر الظن أن الحرب ما كانت وشيكة كما هي هذه الأيام الحبلى بالانعطاف والتغيير والغليان وضعف التحكم الأمريكي والغربي بمناطق النزاع في العالم، وهي إن وقعت فمن المرجح ألا يتمكن الطرف الذي يشعلها من حصر مداها ومواقعها ذلك أنها ربما تكون الحرب الأخيرة، وبالتالي فإنها ككل الحروب المصيرية قد تشمل كل الجبهات وكل القوات وكل الإرادات . نقلا عن الخليج: