يروج أعداء الإسلام لمقولة ( لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ) في محاولة منهم لقطع الطريق على تعاطف المسلمين مع دينهم ، وإحداث قطيعة بينهم وبين من يدعو لتطبيق النظرية الإسلامية في مجالات وشئون الحياة المختلفة وفي المقدمة منها شئون الحكم .. فما مدى صدق وصحة هذه المقولة ؟ وهل الدين الإسلامي معنيا بهذه المقولة من قريب أو من بعيد ؟ ولنبدأ من الشق الثاني للمقولة الخبيثة ( لا دين في السياسة ) .. مقررين أن الدين في عرف البشر كافة يرتبط في المقام الأول بالأخلاق ومنظومة القيم المفرزة للسلوك الأخلاقي في دنيا الواقع .. ولذا يمكننا صياغة هذا الشق من المقولة على أنه : ( لا أخلاق في السياسة ) بمعنى تغليب المبدأ المكيافيلي الحاكم بأن " الغاية تبرر الوسيلة " ، وأن في السياسة بحكم هذه العبارة يمكن الوصول للغاية النبيلة بالوسيلة الخسيسة .. والحقيقة أن السياسات العالمية لقوى الغرب الليبرالي خير مثال على ذلك ، فللحفاظ على ثمن سلعة ما نجدهم يقذفون بالفائض منها في البحار لا أن يطعموا به الجوعى .. ولنهب ثروات أمة ما نجدهم يديرون آلة الإعلام بالكذب أولا ؛ لتزييف الحقائق ، ثم آلة الحرب ثانيا؛ لحصد الأرواح البريئة .. وهل استخدام الغرب لما يسمونه بالباطل ( حق الفيتو ! ) لمجرد منع إدانة همجية ووحشية الإحتلال الصهيوني لفلسطين إلا مثالا على لا أخلاقية السياسات الليبرالية ؟! أما في الإسلام : فالوسائل تأخذ حكم الغايات ، بمعنى أنه ( ما لا يصح إلا بصحة ما لا يصح فهو غير صحيح أبدا ) ، وأن الغاية النبيلة تقتضي الوصول إليها بالوسيلة الشريفة ؛ أي أن السياسي المسلم لا يجوز له ممارسة الكذب أو الغدر أو الخيانة أو العدوان أو أيا من الأمور اللاأخلاقية بدعوى السعي لتحقيق مصلحة مشروعة للأمة عملا بتلك المقولة الخبيثة ، ويكفي أنه مأمور حتى بالعدل مع الأعداء " ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " .. وما سبق يعد كافيا للتدليل على أن الأخلاق والدين لا ينفكان عن حياة المسلم الوظيفية بداية من أصغر وظيفة في المجتمع المسلم وحتى قمة هرم السلطة .. فالله سبحانه " يأمر بالعدل والإحسان .. " وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي .. " أي أن الشق الثاني من هذه المقولة ( لا دين في السياسة ) يصلح مع أي ديانة أخرى غير الإسلام . أما الشق الأول من العبارة ( لا سياسة في الدين ) .. فتعني أن الدين لا يحتوى سواء على مستوى النص أو على مستوى التطبيق أيا من المباديء الحاكمة للعلاقات السياسية داخليا وخارجيا .. فهل ينطبق ذلك على دين الإسلام ؟؟ وبالنظر أولا للعلاقات السياسية الداخلية للدولة نجد : أن للإسلام كلمته في شئون الاقتصاد وأعمال البنوك ؛ حيث يقر الملكية بنوعيها الخاص والعام ( ملكية الأفراد وملكية الدولة ) ، ويقيم بينهما توازنا دقيقا فتارة يقدم المصلحة الخاصة على مصلحة العامة ، أو العكس .. وفق قاعدة دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر .. ثم نجد الإسلام يُحرم جملة من الممارسات الاقتصادية التي ثبت ضررها على الاقتصاد العالمي ، فنراه يحرم الربا و بيع الدين بالدين ( التوريق ) كما ينهى عن الاحتكار وبيع الغرر .. ثم نراه يقيم المبدأ الاقتصادي الأشهر المناسب للاقتصاد كعلم للندرة فنجده يأمر بالتوسط في الإنفاق ناهيا عن الإسراف والتقتير . وفي مجال العمل للإسلام كلمته كذلك ؛ حيث يدعو للعمل ، ويذم الكسل والمسكنة والمسألة ، ويثني على من يأكل من عمل يديه ، بل ويجعل توفير فرص العمل للطاقات الإنتاجية في المجتمع من واجبات السلطة السياسية في الإسلام .. ويأمر بإتقان العمل والإبداع فيه .. وينهي عن ممارسة أعمال بعينها لا تؤدي بالمجتمع إلا إلى الضعف والانحلال !! .. وفي شئون الضمان الاجتماعي كإلتزام على الدولة تجاه الأفراد في حالة العجز نجد الإسلام يشرع زكاة المال كمورد ثابت لوزارة المالية يتم الانفاق منها على المعوزين والضعفاء والمساكين والمحتاجين ؛ تحريرا لهم من ذل الحاجة في حالات العجز وفقد العائل ... وفي شئون القضاء والعدل بين الخصوم يدعو الإسلام للعدل على إطلاقه عند نظر النزاعات القضائية بغض النظر عن شخصيات المتنازعين ومكاناتهم الاجتماعية .. ويوصي القاضي بأن لا يحكم وهو غضبان ، كما يوجب عليه أن يسمع من كلا الطرفين المتخاصمين . وفي شئون التعليم نجد الإسلام ينزل طلب العلم منزلة الفريضة الواجبة على كل مسلم ، ويشرع آدابا للمعلم وآدابا للمتعلم ... وفي شئون البحث العلمي تكفي الإشارة إلى أن القرآن الكريم يتضمن أكثر من 256 آية تدعو للتفكير والنظر والتدبر ، وهل البحث العلمي قوامة وعمود خيمته شيء غير النظر العقلي و التفكير !! ... وفي شئون البيئة ينهي الإسلام عن الإفساد في الأرض بما يعنيه ذلك من وجوب المحافظة على الغلاف الحيوي للأرض الماء والهواء والتربة من التلوث ، ويدعو إلى إعمار الأرض بما يدلل على وجوب الاستخدام الأمثل للموارد البيئية ؛ كي لا تفقد الأجيال المقبلة موارد الطاقة التي نستخدمها حاليا تحقيقا لحلم التنمية المستدامة ... وفي شئون الزراعة والتجارة والصناعة للإسلام كلمته ؛ وهل دعوة الإسلام لإعمار الأرض وإعداد القوة يكون بغير إتقان هذه المجالات والإبداع فيها ! ... وفي مجال الرياضة البدنية نراه يحث على امتلاك القوة البندية جاعلا الخيرية في المؤمن القوي مقارنة بالمؤمن الضعيف ؛ ولذا يدعو الإسلام لممارسة السباحة والرمي وركوب الخيل ويحث على ممارسة مسابقات العدو ... وفي مجال الصحة للإسلام كلمته كذلك .. فنراه يحل الطيبات ويحرم الخبائث ويدعو لعدم الإسراف في تناول الطعام مشددا على أن المعدة بيت الداء ، داعيا للنظافة والتطيب مقرا بذلك لسياسة الوقاية خير من العلاج ، .. وفي حالة المرض نجده يأمر بالتداوي والتطبب ... وفي كيفية إدارة الدولة نجد الإسلام يجعل من الشورى وتقليب الرأي وصولا للحقيقة منهجا للحياة في جميع الأمور والمجالات .. فكما فتت الإسلام المال بالميراث كي لا يكون دولة بين الأغنياء ، كذلك فتت السلطة بالشورى كي لا تنقلب السلطة الحاكمة لديكتاتورية ، وأوجب لذات السبب النصيحة على المحكومين يقرعون بها آذان الحكام ، وقرر كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كضمانة لتفعيل رقابة الرأي العام على أعمال السلطة الحاكمة . وبالنظر لعلاقات السياسة الخارجية للدولة المسلمة ، يقرر الإسلام وجوب التعارف بين الشعوب المتباينة ثقافيا ومن ثم مشروعية التمثيل الدبلوماسي وتبادل السفراء ، وكذلك مشروعية العلاقات الدولية و التبادل التجاري مع البلدان المختلفة ، تحت مظلة " وجوب التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان " .. كما أن للإسلام كلمته في شروط قيام الحرب وشروط إقرار السلم .. بل وكيفية إدارة الحرب بما يحمي السكان المدنيين غير المحاربين أثناء النزاعات المسلحة ! كما يوجب حسن رعاية وإكرام أسرى الحرب .. لا كما فعلت القوى الليبرالية الغربية بأسرى سجني أبو غريب في العراق وجوانتنامو بكوبا !! .. فهل بقي يا أعداء الإسلام من وزارت الدولة الحديثة وعلاقتها السياسية داخليا أو خارجيا شيئا ليس للإسلام فيه كلمة !! ؟ وبذلك يتضح أن الشق الأول من المقولة ( لا سياسة في الدين ) يصلح هو الآخر مع أي ديانة أخرى غير الإسلام .. وأن الدين الإسلامي غير معني بعبارة (لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ) .. وأن من يطلقها قاصدا بها الإسلام ليس إلا جاهلا أو حاقدا على الإسلام .. ويبقى السؤال منطقيا : ما ذنب المسلمين إذا كان دينهم على درجة من الرقي بحيث لم يترك شاردة ولا واردة من شئون الحياة إلا وبين لهم كيف يتصرفون إزاءها .. أو يستنتجون كيف يتصرفون إزاءها ؟! ولصالح من يتم تشريع القوانين التي تقضي بتحريم إستخدام الشعارات الإسلامية في الدعاية الإنتخابية ؟؟ وما مدى دستورية هذه القوانين في ظل المادة الثانية من الدستور السابق أو الإعلان الدستوري الحالي ؟ وما قيمة النص على المادة الثانية باليمين ثم إصدار تشريعات تسحب مضمونها باليسار ؟ [email protected]