أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية في شباط 2006 تقريرها الجديد عن مراجعة العقيدة الدفاعية الأمريكية و الذي تصدره عادة كل أربع سنوات و هو بعنوان: (Quadrennial Defense Review Report 2006). التقرير يقع في (113) صفحة، و يتألف من مقدّمة وستة فصول و تقييم. و هو يركّز بشكل أساس على نقطتين هامّتين تتعلّقان بوضع الجيش الأمريكي و عقيدته في الحرب "اللامتناظرة" -غير التقليدية- خلال العقود القادمة من جهة، و زيادة تأثير و نفوذ دول مثل الصين التي تقع في تقاطع طرق إستراتيجي بما يتعلّق بدورها العالمي. و يتحدث التقرير عن ضرورة اعتماد الجيش الأمريكي على التقنيات المتعددة الاستعمال، و على التكنولوجيا المتطورة في "قواته المستقبلية" من قبيل الرجال الآليين و الطائرات بدون طيّار، و تطوير شبكات نقل المعلومات الحاسوبية و الاعتماد عليها، و ذلك في سبيل المحافظة على كون الجيش الأمريكي الجيش الأكثر اعتماداً على التقنية العسكرية في العالم. هذا التقرير يُعدّ وثيقة عسكرية عليا تقدّم كل أربع سنوات، و يستعرضها الكونغرس الأمريكي. و يقوم التقرير بتحديد أطر إستراتيجية الدفاع الأمريكية، و يستعرض خطط قيادة القوات العسكرية و التحديات التي تواجهها، و هو يلعب دوراً أساسياً في تحديد نفقات الدفاع في العقود القادمة و نحو ذلك .. التقرير يركّز على أربعة أهداف أساسيّة و هي: أولاً: هزيمة الإرهاب. ثانياً: الدفاع عن الأراضي الأمريكية بشكل محكم. ثالثاً: مراقبة الدول الصاعدة و التأثير عليها مثل الصين. رابعاً: منع الدول العدّوة أو أيّ مجموعات أخرى من امتلاك أسلحة دمار شامل.. نووية، بيولوجية، أو كيماوية. بالنسبة إلى هزيمة الإرهاب، يركّز التقرير بشكل متزايد على ضرورة زيادة حجم و قدرات القوات الخاصة الأمريكية، و قد أوصى التقرير بزيادة عددها من (15 – 20) كتيبة في الخدمة الفعليّة. كما أوصى بتشكيل (90) فريقاً من (12) رجلاً من ذوي التدريبات الخاصة جداً و المهارة المميزة، و نشرهم في أماكن النشاط "الإرهابي" الحسّاسة. و بحسب التقرير يجب على الجيش الأمريكي أن يزيد من قدرته على تتبع و إزالة الأهداف العسكرية و قادة الزعماء الإرهابيين. كما يوصي التقرير بأن يقوم جناح سلاح الجو الأمريكي الخاص بالاهتمام ببناء و تطوير طيارات بدون طيار ، و نشرها في مناطق عديدة من العالم لمراقبتها على مدار الساعة، حيث الوجود "الإرهابي" الكثيف. و بحسب التقرير يجب تخصيص مبالغ ضخمة، و التحضير لمواجهة تداعيات أي هجوم "غير عادي"، "هائل"، "كارثي" يقوم به "المتمردون" أو "الجماعات الإرهابية" عبر أسلحة دمار شامل، أو عبر هجمات معلوماتية من قبل دول كالصين. فقد ذكر التقرير أن البنتاغون أدرك منذ فترة أن الصين تقوم بدراسة و مراقبة نظام المعلومات الأمريكي ، و تطورّ أنظمة للتركيز على نقاط ضعفها. و على كل حال يبدو أن الصين ستركّز على المراجعة الدفاعية الأمريكية هذه بشكل كبير خاصّة و أن لها حصّة مهمّة فيها. و على الرغم من أن "الحرب على الإرهاب" أصبحت سياسة ثابتة للإدارة الأمريكية منذ هجمات 11 أيلول 2001، إلا أن الجيش الأمريكي لا يبدو أنّه متأقلم مع هذه الحرب و تنقصه الكثير من المراحل المتطورة لخوض حرب غير تقليدية، كما هو حال هذه الإدارة الأمريكية. من هذا المنطلق، و بينما كان يتم الإعداد لهذا التقرير العسكري، جرت نقاشات داخلية "إستراتيجية" بين اثنين من مدارس الفكر العسكري، راح كلّ منهما يستعرض حججه و مسوّغاته في اتجاهات مختلفة. المدرسة الأولى تطرح فكرة أنّه من حيث الأولويات الدفاعية هناك إهمال و عدم اهتمام كاف لمفهوم الحرب اللامتناظرة، أو غير التقليدية، و إنّ هناك تنافساً كبيراً جداً بين المجموعات العسكرية المصمّمة أصلاً لمواجهة الأخطار المتأتيّة عن دولة ما، مقابل الأنظمة الموجّهة لمعالجة الأخطار المتأتيّة من جهات أخرى غير الدول. أما المدرسة الثانية فهي ما زالت مهتمّة بالترويج لأهمية الأسلحة التقليدية، و تجادل بأنّ صعود أهمية التهديدات الإرهابية لا يعني أن الأخطار و التهديدات التقليدية قد زالت، و عليه فيجب الإبقاء على القدرات التقليدية. على أي حال يبدو أنّ هذا التقرير العسكري قد حسم النقاش لصالح الحرب غير المتناظرة، على الأقل خلال هذه الفترة من التطورات العالمية. و يبدو أنّ الوضع العسكري القوي لما يسميه الأمريكيون "المتمردين" في العراق و أفغانستان قد ساهم في إقناع عدد من القادة الأمريكيين العسكريين في واشنطن بضرورة الاهتمام بزاوية محاربة "الإرهاب" بطرق جديدة و مواجهة الصعود الإسلامي المتنامي . كما أن العديد من التقارير التي لم تكتف بالتأكيد على قوّة المقاومة العراقية و الأفغانية فقط بل أشارت كذلك إلى تنامي قوّة القاعدة و المجموعات التابعة لها، و التي تتكاثر في أوروبا أيضاً قد دفعت واضعي هذا التقرير إلى الاهتمام بالحرب غير التقليدية، و إلى إمكانية أن تقوم هذه المجموعات باستهداف دول أوروبية أيضاً لانضمامها إلى "الناتو" في عمليات داخل أفغانستان أو في دول أخرى لاحقاً. المصدر الاسلام اليوم