واصلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية هجومها على نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي, واتهمته بأنه أعاد مصر لستينيات القرن الماضي، عندما أسس الرئيس الراحل جمال عبد الناصر "سابقة للعالم العربي بإقامة دولة بوليسية قمعت المعارضين بقسوة وغرست الخوف في نفوس مواطنيها". وأضافت الصحيفة في مقال لها في 17 نوفمبر أن "أبرز سمات هذه الدولة أن المواطن العادي اليوم -بتشجيع من الدولة ووسائل الإعلام المتحالفة معها- يشي بالمصري مثله", في إشارة إلى واقعة القبض على مدير تحرير جريدة "لموند ديبلوماتيك" الفرنسية الآن جرش، على أحد المقاهي بالقاهرة, عندما كان يناقش الأوضاع في مصر مع آخرين, وذلك بعد إبلاغ أحد رواد المقهي عنه. وتابعت الصحيفة في مقالها, الذي كتبته الصحفية سارة خورشيد، التي تم القبض عليها أيضا بواقعة آلان جرش, أن مظاهر كثيرة تدل على تراجع حرية التعبير في مصر وأنها بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي صارت أسوأ من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. واستطردت " وسائل الإعلام التي يمتلكها رجال أعمال مؤيدون لنظام السيسي باتوا يغرسوا في نفوس المصريين فكرة الخوف، وضرورة الامتناع عن انتقاد الدولة، وإلا ستصبح مصر, مثل سوريا والعراق". وختمت الصحيفة بالقول :"إن نظام السيسي والمفتونين به لا يدركون أن قمع حرية التعبير, لم يحم الدول المستبدة في الماضي, ولن يجعل مصر اليوم أكثر أمنا". وكانت "نيويورك تايمز" نشرت أيضا في الأسابيع الأخيرة سلسلة من التقارير والمقالات, التي تهاجم نظام السيسي. وجاء في مقال نشرته الصحيفة للكاتبة المصرية منى الطحاوي في 23 أكتوبر الماضي أن مؤيدي السيسي يعيشون في وهم كبير سينال منهم في النهاية. وأضافت الصحيفة أن مؤيدي السيسي الذين يمقتون "الإخوان"، يجرون وراء الأوهام, معتقدين أن "القمع الاستبدادي" الحالي في مصر, لن ينال منهم, رغم اعتقال العديد من النشطاء, الذين أيدوا مظاهرات 30 يونيو, التي أطاحت بالرئيس المعزول محمد مرسي. وتابعت الصحيفة أنه منذ بدء العام الدراسي الجديد في مصر في 11 أكتوبر, شنت قوات الأمن حملة قاسية ضد الجامعات، واعتقلت ما لا يقل عن 200 طالب في جميع أنحاء البلاد. وكانت "نيويورك تايمز" نشرت أيضا "افتتاحية نارية" في 8 أكتوبر هاجمت فيها السيسي ونظامه الجديد، ودعت واشنطن والبيت الأبيض إلى تغيير سياساتهما تجاه القاهرة، فيما كان العنصر الأكثر لفتاً في تلك الافتتاحية أنها تأتي بعد أيام على أول زيارة للسيسي الى نيويورك وأول خطاب يلقيه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو الخطاب الذي قالت وسائل إعلام عالمية إنه كان يهدف الى "إنشاء موطئ قدم له لدى المجتمع الدولي". وتعتبر "نيويورك تايمز", التي تحمل لقب "السيدة العجوز" واحدة من أهم المؤشرات على المزاج العام لدى النخبة في الولاياتالمتحدة، كما أن الصحيفة تؤثر في صناعة القرار الأمريكي وخاصة المتعلق بالسياسات الخارجية. ودعت "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها إلى ربط المساعدات السنوية الأمريكية التي تقدم للجيش المصري والتي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار بتحقيق تقدم على مستوى الحريات والديمقراطية، كما دعت إلى مراجعة شاملة لطبيعة العلاقة مع مصر في ظل ما سمته "الانقلاب العسكري". ووصفت الصحيفة ما حدث في مصر يوم الثالث من يوليو 2013 بأنه "انقلاب عسكري", كما قالت إن الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالسيسي كانت "مزورة" . وقالت الصحيفة إن جماعة الإخوان المسلمين التي تصدّرت المشهد السياسي بعد ثورة يناير، يقبع أعضاؤها في السجون حاليا، مع اعتبارها جماعة إرهابية، وهو أمر "غير عادل"، وهو ما قد يجعلهم "عرضة للتشدد"، في وقت تقوم فيه الولاياتالمتحدة بإنشاء تحالف لمحاربة تنظيم "داعش"المتطرف. وتابعت الصحيفة "حكومة السيسي أحكمت قبضتها على وسائل الإعلام التابعة للدولة، في حين ينتظر صدور قانون غامض يشدد العقوبات على الأفراد الذين يتلقون تمويلا أجنبياً، ويجعل ذلك جريمة يعاقب عليها بالحبس مدى الحياة، بحجة محاربة الإرهاب، وهي الحجة التي استخدمتها الدولة من أجل إعاقة الجمعيات التي تدعو للديمقراطية". واتهمت الصحيفة الرئيس المصري ب"استغلال تطلع الشعب المصري، وتمسكه بالاستقرار، في سبيل تحصين بقائه في منصب الرئيس"، حسب تعبيرها. وأضافت "السيسي يحظى بدعم قوي من حلفائه في الداخل، وترويج إعلامي لشخصيته بما يفوق الهالة التي كانت حول الرئيس المخلوع حسني مبارك", مشيرة إلى أن "احتكار السلطة", الذي تشهده مصر حاليًا، لم تشهده منذ عهد محمد على باشا، وأشد قمعا مما كان يحدث في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. وأثارت الافتتاحية السابقة ردود فعل واسعة في مصر، حيث تناوله العديد من الصحافيين والسياسيين، وأبدى بعضهم غضبه مما جاء فيها, واعتبروها حملة أمريكية تستهدف مصر، وتدعم جماعة الاخوان المسلمين، بينما رآى آخرون من المعارضين لنظام السيسي أن الولاياتالمتحدة بدأت تكتشف بأنها كانت على خطأ عندما دعمت "الانقلاب العسكري"، وأن "القمع الذي تواجهه جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الراهن قد يولد حالة من التطرف والعنف". وكانت عدة جامعات مصرية اتخذت قرارات وضوابط أمنية مشددة، بالتزامن مع العام الدراسي الجديد، تَصَدرها تجريم الإساءة للرئيس السيسي، وشددت على عقوبتها بالفصل النهائي. ووفق هذه القرارات, يتعين على الطلاب الالتزام بتسعة ضوابط، منها عدم الإساءة للرئيس، ومنع التظاهر نهائياً في المدن الجامعية، وعدم ارتداء ملابس عليها شعارات سياسية. وفي سياق متصل, تعاقدت وزارة التعليم العالي مع شركات معدات أمنية لتركيب بوابات إلكترونية للجامعات وتثبيت كاميرات مراقبة، كما تم تعديل قانون الجامعات بحيث يسمح لرئيس الجامعة بفصل أيٍ من أعضاء هيئة التدريس إن شارك في مظاهرات. وبدأ العام الدراسي الجديد في مصر في 11 أكتوبر, متأخرا ثلاثة أسابيع عن موعده المقرر.