حالة من العناد تنتاب الشارع المصري بجميع فئاته ، الكل ضد الكل ، فالليبراليون و العلمانيون أفكارهم متناقضة و بعضهم ضد بعض و لا يكادون أن يجتمعوا إلا على معاندة الاسلاميين و محاولة تغييبهم من المشهد ، و تلك فضيلتهم إن كان لهم فضيلة !! ، و الاسلاميون متنافرون فالجماعة الاسلامية في واد ، و السلفيون في واد آخر و الاخوان في ثالث ، و حزب الفضيلة قد انشق بعضه على بعض فأفرخ كيانا جديدا يسمى الأصالة ، و تحاول الهيئة الشرعية للحقوق و الاصلاح لم شعثهم و الله يوفقهم . ما هذا الانفلات في كل شيء ، انفلات أمني تُسلط عليه الأضواء لتبدو البلد و كأنها بركان مع أن الأمر قد يكون محتملا ، فضائيات و ائتلافات و مؤسسات و كيانات طفيلية قد تولدت عشوائيا و نمت في تربة كأنها مستنقع حتى لا يستحي بعضهم من أن يصرح بملء فيه عبر الفضائيات أنهم يتلقون تمويلا أجنبيا و لكنه يجيبك بكل صفاقة و برود لا تسل عن التمويل و لكن سل فيما أنفقته و ماذا فعلت به ، إنها فضيحة بكل معنى الكلمة و كما قالوا في المثل (( إذا بليتم فاستتروا )) و قال النبي الأكرم صلى الله عليه و سلم (( كل أمتي معافى إلا المجاهرون قيل يا رسول الله ومن المجاهرون قال الذي يعمل العمل بالليل فيستره ربه عز وجل ثم يصبح فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا فيكشف ستر الله عز وجل عنه )) و رجال الثورة يطحنون الناس في ميدان التحرير بحجة أنهم بلطجية و أصبح تعريف تلك الكلمة فضفاضا ، و قد تلبس أي واحد ماشي جنب الميدان لمجرد أنه رث الهيئة من غلبه و سواد أيامه التي يعيشها في البطالة و الفقر و الجوع . أصبح ميدان التحرير حكما على كل مصر بمن فيها ، فما قالته تلك الفئة أصبح واجب النفاذ ! ، و ما طرحه ذلك الائتلاف أضحى عدم تنفيذه جريمة تُرتكب في حق مصر !! ، و ما رأه هذا الفصيل فهو الحق الذي لا محيد عنه و لا محيص !!! ، و لا ندري سبيلا لوقف هذه الانشطاريات من تلك الائتلافات و الكيانات التي أصبحت تملي رأيها على أجعص تخين في مصر ، و يخافها الآن كل وزير و مسئول في الدولة بدءً من المجلس العسكري و ليس انتهاء برئيس الوزراء ، أعانهم الله على تلك التركيبة الكئيبة . أين أنت يا شعب مصر الحقيقي ، يامن قمت بثورة نظيفة عفيفة لم يعرف لها التاريخ شبيها من قبل حتى أصبحت تدرس في كل العالم من عفتها و نظافتها ، أين أنتم يا من تقاسمتم رغيف الخبز و شربة الماء و كوب الشاي . يقولون إن الغرب بعمومه أمريكا و أوربا و حلفاءهم من قوى الشر التى لا تريد خيرا بالعالم الاسلامي عموما و تنظر إليه نظرة المستعمر المستعبد لشعوب المنطقة ، فهو إما منهوب ثرواته أو سوق لمنتجاتهم ، يقولون عنهم (( إنهم إن لم يصنعوا الحدث استطاعوا أن يستثمروه لصالحهم )) ، فهل هذا هو الحادث في مصر الآن ، و هل أصبحت نظرية ست الحسن و الجمال كونداليزا رايس الفوضى الخلاقة هي التي يراد لها أن تسود في المنطقة و بالذات مصر . إننا نرى أقواما من جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا لم يعد لديهم أي مانع أو حرج أن يتعاونوا مع الشيطان الرجيم نفسه من أجل أن لايصل فصيل معين كالاسلاميين إلى المشاركة في إدارة الدولة . والاسلاميون على اختلاف توجهاتهم يرون أنهم الأحق بمصر و أهلها و أن الاستفتاء السابق كان بمثابة استفتاء على شرعيتهم ، مع أن الأمر - و إن كان فيه بعض الصحة – ليس كذلك على إطلاقه . ألا يستطيع المصريون أن يجتمعوا على كلمة سواء ، و أحسب أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم إن صلحت النوايا و صفيت التوجهات الوطنية ، فهذا وطننا و نحن المصريون بجملتنا شئنا أم أبينا مفروضون على بعض في تلك البلد ، و لن يستطيع أحد مهما فعل أو حتى تحالف مع من يريد من قوى الخير أو الشر داخليا أو خارجيا أن يقصي أحدا ممن يخالفه ، فلم التناحر و التنازع و المنافسة الغير شريفة ، ألا تسعكم دروس التاريخ ، و قد مد الاسلاميون أيديهم إليكم لتتصافحوا و تتحدوا على كلمة توافقية ( و شوية من عندك و شوية من عندي و تمشي الأمور ما دامت لا تخالف شرع الله ) و قد كانت تجربتكم مع الاسلاميين جيدة في عدم التعرض للمادة الثانية من الدستور ، حتى تسير السفينة ، فلم لا نكررها في كل أمورنا مع المجلس العسكري و رئيس الوزراء و وزرائه و مع بقية القوى الوطنية . لقد علمنا التاريخ في حلف الفضول الذي مدحه النبي صلى الله عليه و سلم و قال فيه قولته المشهورة (( لو دُعيت به في الاسلام لأجبت )) اتفقوا على نصرة المظلوم ورد الحقوق و كف الظالم ، مع اختلافهم في أمور أخرى كثيرة ، علمنا أن هناك مساحات للاتفاق نستطيع أن نجتمع عليها و إن اختلفنا في غيرها ، أفلا يكون ذلك درس لنا . ليراجع كل فصيل نفسه و يتحسس مواقع قدميه و يؤوب إلى رشده و يحلل مواقفه و ليعلم الجميع أن ذلك وطننا و أننا نعيش فيه و هو يعيش فينا ، و ليغسل كل منا يده من إقصاء الآخر و تنحيته ، و لا يفكر في ذلك مطلقا ، فهذا هو بداية التوافق و الكلمة السواء ، ثم لنجلس على المائدة لنتحاور بتلك الروح ، فسنصل بإذن الله إلى كلمة نتوافق عليها ، و سينكشف حينئذ أصحاب الأجندات الخاصة و ذوي الأغراض الغير وطنية. فهل منا رجل رشيد ؟! ، أم أن الراشدين يؤذنون في مالطة . صلاح الطنبولي