لست متأكدًا من الفتوى المنسوبة إلى الدكتور ياسر برهامي، بشأن ما إذا كان الجنود المسيحيون الذين قضوا في سيناء "شهداء".. الفتوى المزعومة، لم يشعر بها أحد، وخفوت الجدل بشأنها، يرجح فبركتها.. وحتى لو افترضنا أنها صدرت فعلاً عن برهامي.. فإنه من الواضح أن الرأي العام، تعاطى معها بالتجاهل، في ظل مصابه الجلل والأكبر في سيناء، وفوت الفرصة على "فتنة" ليس هذا وقتها. الفتوى كما قلت كانت كأن لم تكن.. غير أن فضائية "التحرير" القريبة من الكنيسة الأرثوذكسية، التقطتها، ونقلتها من مربع النسيان إلى بؤرة الجدل والأضواء.. وفتحت نقاشًا علنيًا بشأنها.. وتلقت مداخلة من الشيخ جابر طايع وكيل وزارة الأوقاف.. والذي "شتم" برهامي من جهة، وأفتى بعكس الفتوى المنسوبة إلى الأخير من جهة أخرى. وأنا هنا لست بصدد مناقشة صحة الفتوى، ولكن بصدد السؤال الذي من المفترض أن يُطرح في مثل هذه الحماقة الإعلامية: هو دا وقته؟! ففي حين يتصدى الجيش بجنوده وضباطه مسلمين ومسيحيين للإرهاب الوحشي في سيناء، تثير فضائية تديرها نخبة قبطية، الفتنة بين المسلمين والأقباط.. وتفتعل صدامًا بين مرجعية سلفية مثيرة للجدل، تفتي بما يستفز المسيحيين.. وموظف في وزارة الأوقاف يفتي بما يستفز المسلمين. الإرهاب في سيناء لا يفرق بين جندي مسلم وزميله المسيحي.. وفي القاهرة، يتورط إعلام "المناخوليا" في التفريق بينهما.. وزرع العبوات الناسفة لهما على الفضائيات.. فمن ينجو من رصاص الإرهاب في سيناء.. يقتله إعلام الفتنة في الوادي. مَن المستفيد من إثارة مثل هذه الفتاوى وفي هذا الوقت بالذات: الأمن القومي، الجيش، الشرطة، الوطن، الشعب المصري؟! أم الإرهاب والإرهابيون؟! ماذا تريد قناة التحرير؟!.. أتريد أن يترك الجنود المسيحيون الخدمة في الجيش أو رفض القتال على الجبهة أمام الإرهاب؟! أم تريد أن يتصايح الجنود المصريون ويتبادلون الاتهامات فيما بينهم: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار؟!.. البلد يواجه الإرهاب وهو في حالة انقسام وطني مفزع، ولم تجتز اختبار الدم في الداخل، بتضحيات سياسية كبيرة من القوى التي تتنازع الشرعية.. وليست بحاجة إلى مزيد من الانقسام، فما عسانا نتوقع حال أضيف إلى ذلك انقسام طائفي يهدد وحدتها وسلامها الداخلي؟! إن الجدل الذي فتحته قناة التحرير بشأن "شهادة الجندي المسيحي".. هي رسالة مفخخة تحرض على انقسام الجيش على الجبهة.. وتأجيج ظهيره الشعبي بفتن طائفية ودينية هي الأخطر على الإطلاق. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.