اعتقد مع غيري من المتابعين للحراك السياسي، أن حركة التنقلات وعملية التطهير التي قام بها وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي مؤخرًا، ستسهم بشكل كبير في ضخ دماء جديدة في شتى قطاعات وزارة الداخلية، بفكر شباب الشرطة الشرفاء الذين استفادوا من ثورة الاتصالات الحديثة في الانفتاح على العالم الخارجي، وأنها ستقضي تدريجيًّا على خطاب العنجهية والتعالي والفكر الشرطي الكلاسيكي والممارسات الشرطية اللاأخلاقية التي كان يقوم بها كثير من رجال الشرطة ضد أبناء الوطن، والتي خلقت نوعًا من الخصومة الشديدة، وأحدثت طلاقًا بائنًا بين الشعب والشرطة في عهد الرئيس المخلوع.. والمدقق في العلاقة الحالية بين الطرفين (الشعب والشرطة) يلحظ أنها يسودها حالة شديدة من عدم الاتزان، وفقدان الثقة من جموع الشعب في هذا الجهاز الحيوي –على الرغم من أنه يضم كثيرًا من أبناء مصر الشرفاء الذين يسهرون على راحة المجتمع- وأعتقد أن هذا الطلاق البائن وهذه الإشكالية تحتاج إلى "محلل" لإصلاحها، أي إعادة بلورة وهيكلة شاملة (نفسية وتربوية واقتصادية واجتماعية...)، وقيادة حملة إعلامية وتربوية وثقافية لترميم العلاقة بين الشرطة والناس، وإعادة بنائها وصياغتها من جديد، مع فتح الأبواب والنوافذ لكل ما يقذف به العلم في هذا المجال، والأخذ بخبرات الدول المتقدمة في الممارسات الشرطية، وتقديس حقوق الإنسان وحرياته، والتمكين للقانون وسيادته على جموع أفراد الشعب، وبذل كل ما من شأنه تخليص قطاع كبير من العاملين في الشرطة من ميراث الفساد والقهر وقسوة القلب والتعذيب واستباحة كرامات الناس وأبسط حقوقهم.. وغيره مما ورثوه في عهد الدولة البوليسية التي قضت على الأخضر واليابس من حقوق الناس وكراماتهم في العهد البائد. ومن هذا المكان ألفت أنظار الجميع وأحذر بأعلى صوتي من خطورة كثير من المتقاعدين من رجال الشرطة الذين خرجوا في عملية التطهير مؤخرًا، على الأمن القومي، خصوصًا وأن الكثير منهم خرجوا في عميلة التطهير الأخيرة وبعضهم ذليل النفس خفيض الرأس، وقد تربي على القسوة وألِفَهَا.. خرجوا وهم يحملون رصيدًا كبيرًا من الحقد على الثورة وعلى رجالها وعلى الوطن الجديد.. خرجوا وقد فقدوا كل مقومات الجاه والسيادة الزائفة.. خرجوا وهم يحملون أفكارًا شيطانية، وبرامج وخططا غير شريفة... خرجوا وخرج معه قرناء السوء من شياطين الإنس الذين أذاقوا الكثير من شعب مصر المكلوم سوء العذاب.. والسؤال الغائب عن الكثير منا: ما هي خطورة هؤلاء على الأمن القومي وعلى مسيرة الثورة، وعلى الوطن الجديد؟ وكيف يمكن كسر شوكتهم؟ وما هي الضمانات التي يمكن أن تقدمها وزارة الداخلية للحيلولة دون تعكيرهم لأجواء البلاد؟ وهل من اليسير إدماجهم في الحياة العامة؟ وهل من الممكن أن يسهموا في بناء المجتمع الجديد؟ هذه الأسئلة الحائرة أردت أن أطرحها على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعلى مجلس الوزراء، ووزير الداخلية، وعلى شباب الثورة حتى يأخذوا حذرهم... نهائي * المدير التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية [email protected]