صارت الألوان في مصر شكلا جديدا للتنافس السياسي، فامتد الخلاف السياسي إلى حملات تتخذ من الألوان ودلالاتها وسيلة للتعبير عن الآراء والأفكار ما بين معارض للسلطة الحالية ومؤيد لها. حركة "تمرد"، المؤيدة للسلطات الحالية، دعت أمس إلى حملة "الموجة الرمادي"، ردا على حملة مماثلة أطلقها شباب معارضون تحت اسم "الموجة الخضراء"، في مظهر جديد من مظاهر الانقسام السياسي. وهو انقسام قائم في مصر منذ أن أطاحت ثورة شعبية بالرئيس الأسبق، حسني مبارك، في فبراير/ شباط 2011، لكنه تعمق بشدة مع وفي أعقاب الإطاحة بخلفه محمد مرسي، في يوليو/ تموز 2013، في خطوة يراها المؤيدون له "انقلابا عسكريا"، ويعتبرها رافضون له "ثورة شعبية". ولا يدور التنافس السياسي عبر الألوان في الشارع المصري، وإنما على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يدعو كل فصيل أنصاره إلى تغيير صور صفحاتهم الشخصية إلى اللون الذي يتبناه. وحتى الآن، يقتصر التنافس بين اللون الرمادي، الذي يقول مؤيدون للسلطات الحالية إنه يرمز إلى "تراب الوطن"، وبين اللون الأخضر الذي يرى معارضون أنه يرمز إلى "السلام والعدل والحق". الفكرة بدأت مع قيام نشطاء سياسيون معارضين للسلطات، من المنتمين للتيار الثالث (الرافض لحكم العسكر وجماعة الإخوان المسلمين)، وحركة شباب 6 أبريل، بتغيير لون صفحاتهم إلى اللون الأخضر. فتحت عنوان "الموجة الخضراء"، دشن نشطاء قبل أيام حملة على موقع "فيس بوك" قالوا إنها تأتي من منطلق السلام الذي تفتقده الشعوب، والذي يُعد سر الحياة الهادئة، ومن منطلق الحد من الظلم والاستبداد والتطرف الذي يعاني منه البعض، ومن منطلق التعاون لنشر فكرة السلام، بحسب صفحة الحملة على الموقع. "كن أنت اللون الأخضر في محيطك".. هو شعار وضعته صفحة "الموجة الخضراء" على "فيس بوك"، ويقول نشطاء تلك الحملة، التي اجتذبت أكثر من 17 ألف متابع، إنهم ليسوا تابعين لأي كيان رسمي أو سياسي. هؤلاء الشباب يُعرفهم مسؤول الصفحة بقوله، على صفحة الحملة: "إحنا (نحن) شباب مصري مالناش (ليس لنا) عداء مع أحد، طالما مكتوب فى بطاقته (أوراق الهوية الشخصية) مصري، لا نكره حد (أحدا) ولا عايزين (لا نريد) ننتقم من حد (أحد)، ولا نشمت فى حد (أحد)، ولا (لسنا) مع أي فصيل سياسي أو اجتماعي أو ثقافي أو أيديولوجي بعينه، مع مصر وفقط". وتنشر صفحة هذه الحملة الخضراء منشورات لنشر فكرة السلام والإخاء تحت شعار: "مصر متحابة"، و"مصر متسامحة"، و"مصر متعايشة"، و"مصر متقدمة"، و"هدفنا مصر جميلة"، و"شوف كل حاجة حواليك (حولك) خضرا"، و"العالم يتسع للجميع ولا مكان للظلم والاستبداد والتطرف"، "كن أنت الموجة الخضراء في محيطك". وعقب ظهور "الموجة الخضراء"، غير العديد من نشطاء "فيس بوك" غلاف صفحاتهم الشخصية إلى اللون الأخضر تضامنا مع الحملة، ووضع البعض صورته الشخصية محاطة باللون الأخضر لنشر فكرة السلام. ورغم الإعلان عن الحملة قبل 4 أيام، إلا أنه حتى الآن لم تعلن الصفحة عن تفاصيلها. وترفض قيادات حركة 6 أبريل (التي شاركت في ثورة 2011)، وشباب التيار الثالث، الإفصاح عن تفاصي الحملة. واكتفى زيزو عبده، القيادي في الحركة وجبهة طريق الثورة (ائتلاف لحركات ثورية شبابية)، بقوله لوكالة الأناضول: "انتظروا الإعلان عن التفاصيل قريبا". ومع انتشار هذه الحملة الخضراء، دشن نشطاء مؤيدون للسلطات الحالية، عبر بيان صادر عن حركة تمرد، حملة "الموجة الرمادي"، بهدف "تأييد الجيش والشعب المصري والرئيس عبد الفتاح السيسي". وتولى السيسي، وزير الدفاع السابق، الرئاسة في يونيو/ حزيران الماضي، بعد فوزه في أول انتخابات رئاسية في أعقاب الإطاحة بمرسي، أول رئيس مدني منتخب منذ إعلان الجمهورية في مصر عام 1953. ودعت إلى هذه الحملة، التي لا توجد لها صفحة على "فيس بوك"، حركة "تمرد 25-30"، التي دعت إلى إسقاط مرسي. وطالبت الحركة مؤيديها بتغيير صور صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى اللون الرمادي، قائلة: "بلون ترابك يا مصر ندعم الرئيس.. يلا (هيا) غير بروفايلك (صفحتك الشخصية) وادعم رئيسك بشكل رمزي". هي الأخرى، قالت حركة "تمرد 25-30" إنها ستعلن عن تفاصيل الحملة قريبا. وتبدي منال زكريا، أستاذة علم النفس في جامعة القاهرة، دهشتها من دلالة اختيار الشباب لهذين اللونين، قائلة، في حديث مع وكالة الأناضول، إن "الشباب دائما ما يختارون الأحمر والبرتقالي للتدليل على الحركة". وترى أن "اختيار اللون الأخضر من شباب معارض يمثل تغييرا إيجابيا يعبر عن النماء والرغبة في الانطلاق وتحقيق مستقبل أفضل للبلاد، ويدل على أن هذا الشباب يسعى جاهدا إلى النهوض بالوطن، ويجب على السلطة أن تنظر إلى مطالبهم". لكنها تعيب على "اختيار مؤيدي السلطات للون الرمادي، فهو يعبر عن أنهم يقفون في المنتصف، فالرمادي ينم على عدم تحديد الموقف، وهذا غير صحيح وغير دقيق.. إن كانوا يريدون التعبير عن تراب الوطن، فكان عليهم اختيار لون التربة المصرية البنية أو السوداء". وحول اتجاه الشباب إلى الألوان للتعبير عن آرائهم، ترى أستاذة علم النفس المصرية أن "هذا مؤشر إيجابي ينم على أن هناك إبداعا شبابيا، ويشير إلى أن الشباب متجدد دائما".