حظي قرار المجلس العسكري بتقليل نسبة العجز من 11% إلي 8.6% بترحيب خبراء اقتصاديين كانوا قد أبدوا في وقت سابق اعتراضهم على ارتفاع نسبة الإنفاق في الموازنة دون وجود موارد واضحة، بالإضافة إلى رفضهم الاقتراض الخارجي، لما سيحمله للأجيال القادمة من أعباء مالية وسياسية، تبعًا لنوع المقرض، سواء كانت من دول، أو مؤسسات مالية. ووصفت الدكتورة ضحي عبد الحميد، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، تقليل العجز بأنه "خطوة مهمة وهائلة"، مشيرة إلى أنه يتعين على الدكتور سمير رضوان وزير المالية أن يسعى لتقليل العجز قدر الإمكان، وترشيد الإنفاق. وانتقدت غياب البعد الاجتماعي عن الموازنة، إذ لم يتضح بها وجود أي برامج أو بنود لمواجهة الفقر حيث خصص للتعليم فقط علي 14% فقط من إجمالي الموازنة، والصحة ما يقرب من يقارب هذه النسبة، فيما تم تخصيص 22% من الموازنة لأجور العاملين بالقطاع الحكومي. واتهمت الحكومة بأنها خدعت الناس، بعد أن تخلت عن وعدها برفع الحد الأدنى للأجور إلى 700 جنيه كما أعلنت قبل أسابيع، بالرغم من أن هذا الرقم في الأصل كان مثار اعتراض كبير، نظرا لضآلته، خاصة وأن أصحاب العقود المؤقتة لم يتم تمويلهم من البند السادس من الموازنة الاستثمارية، وستظل رواتبهم كما كانوا يتقاضونها، والتي تتراوح ما بين 90 إلى 250 جنيهًا فقط. وأكدت أنه بذلك لم تراع الدولة البعد الاجتماعي كما تعهدت في السابق، حيث أن أصحاب المرتبات المنخفضة لن يستطيعوا الوفاء باحتياجاتهم المعيشية، ما قد يدفع البعض للجوء لطريق غير مشروع لتعويض هذا العجز لديهم، وبالتالي انتشار الفساد. وطالب عبد الحميد برفع معدل الضرائب على المستثمرين، معترضة على زيادتها بنسبة 5% فقط، مدللة بأن الولاياتالمتحدة زادت نسبة الضرائب مؤخرا إلى 9,42% وبريطانيا إلى 50% نتيجة للأزمة المالية التي تمران بها. وأضافت أن الموازنة بهذا الشكل لم تختلف عن الموازنات في عهد النظام السابق، حيث تم تخصيص أموال جزافية دون وجود برامج وأوجه إنفاق، لتحقيق أهداف واضحة في كل قطاع، مؤكدة أنه لا فائدة من الأموال إذا لم يكن لها مردود ملموس علي المواطن وهو ما لم يؤخذ في الاعتبار في الموازنة الحالية، حيث لم تتغير منهجيتها عن الأعوام الماضية. وأوضحت أنه كان من المنتظر في هذه الموازنة أن يتم تخصيص بند لإعادة هيكلة الدعم خلال خمس سنوات لرفع كل الطبقات المهمشة عن حد الفقر، وأن يكون هناك برنامج للقضاء علي العشوائيات خلال مدة زمنية معينة، بحيث يتم التخلص خلالها منها تدريجيا، لكن هذه الموازنة لا يوجد بها رؤية ولا برنامج وليس لها معالم واضحة، مشيرة إلي انه كان ينبغي إجراء حوار مجتمعي مع الفقراء وليس مع أصحاب الأعمال. مع ذلك، أشادت عبد الحميد بقرار المجلس العسكري باللجوء للاقتراض الداخلي بدلاً من الخارج، قائلة: "لقد حذرت مرارا من اللجوء إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لأن اتجاه أي دولة للاقتراض بهذا الحجم من الصندوق والبنك الدولي معناه مرور مصر بأزمة طاحنة، مما سيترك أثرا سيئا عن وضع مصر الاقتصادي في العالم كله". وأوضحت أن هناك ثلاثة جوانب للحصول علي الأموال محليا، الأول يتمثل في طبع نقود من البنك المركزي، لكن هذا الأمر غير مجد لما سيؤدي له هذا الإجراء من رفع نسبة التضخم، والآخر وهو المرجح تنفيذه أن يقوم البنك المركزي بصرف أذون خزانة لحساب وزارة المالية لشبكة المتعاملين الرئيسين معه، والذين يحصلون عليها ويقومون ببيعها بهامش ربح أعلى، مما سيؤدي إلي الدفع بالقوة الشرائية. أما الجانب الثالث – والكلام لها- فيتمثل في استغلال الودائع الموجودة لدي البنك المركزي والتي تمثل موردا هائلا سيقوم بتعزيز الموازنة للوفاء بالاحتياجات، قائلة عن كثرة الودائع بالبنك المركزي: "حدث ولا حرج". من جانبه، أكد الدكتور حسن عبد الباسط أستاذ القانون الاقتصادي بجامعة القاهرة أن الاقتراض المحلي لا بد أن يتم من خلال السندات والصناديق الخاصة بالوزارات، واصفا الصناديق الخاصة بأنها سر مغلق، حيث كان المسئولون بكل وزارة بإدراج المليارات فيها تحت عدة بنود خاصة بالنفقات، وكانوا يقومون بإنفاق كثير من الأموال على الحفلات والمؤتمرات الفخمة التي يتم تنظيمها. وطالب ب "إعدام" الصناديق الخاصة بعد الحصول على أموالها، لأنها منبع لجذب مزيد من أموال الدولة. وقال إن أموال الصناديق بإمكانها أن تؤدي إلى تغطية نسبة العجز، مؤيدا موقف الحكومة بعدم الاقتراض من الخارج، لأن ذلك له شروط سياسية ستفرض على الأجيال القادمة وبشكل يسيء للشعب المصري.