اطلق إنذار الحريق صفارته بمبني آشبي بجامعة كوينز بالمملكة المتحدة، وآشبي هو إسم لرئيس جامعة كوينز الاسبق، حيث جري العرف أن يتم إطلاق أسماء رؤساء الجامعات علي مباني الجامعة في لمحة طيبة للإعتراف بفضل من يخدم الجامعة وقدم لها من الاعمال ما يساهم في تطورها ومنافستها علي الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وحين تنطلق صفارات إنذار الحريق يقوم كل فرد بترك كل شئ يصنعه ويغادر مكتبه مباشرة دون إبطاء، ويتم إستخدم السلالم في النزول طبقا للإرشادات التي يتم تنفيذها بكل صرامة وإلتزام من العاملين انفسهم، حيث يحظر إستخدام المصاعد أثناء إنذار الحريق، وفي التو يقوم بعض الافراد من العاملين بالمبني ومن الحاصلين علي دورات في الحماية المدنية بإرتداء ستراتهمالفسفورية ويكون دورهم المساعدة والإرشاد لمن يحتاج المساعدة، ويقوم الجميع بالنزول في هدوء، دون تدافع أو تزاحم أو صراخ وعويل، ويكون التوجه إلي المكان المحدد سلفا، حيث يكون هذا المكان بعيدا عن إتجاه الريح تحسبا لحدوث حريق فعلي، فيكون الافراد في مكان آمن من الشرر، لحظات وإنتهي الإنذار، عاد الجميع إلي اعمالهم، لم يمر سوي بضع دقائق وإنطلقت صفارات الإنذار مرة أخري، ليس لديك خيار سوي الإنصياع لصافرة الإنذار ولو تكرر هذا الحدث عشر مرات، سألت مدام ويندي مديرة الكلية وأنا في طريقي للنزول، هل هذا إختبار، أجابت بأنه يبدو وجود خلل في منظومة العمل بأجهزة الإنذار، نزل جميع العاملين بالكلية مرة أخري دون أدني تبرم، وعلي هامش الوقوف في إنتظار إنتهاء صافرة الإنذار للمرة الثانية والعودة لمكتبي، وقفت اتأمل وجوه العاملين بقسمي الهندسة الميكانيكية وابحاث الفضاء، والهندسة الكهربية بجامعة كوينز، والعاملين الذي اقصدهم هم الاساتذة، والباحثين من طلاب الدكتوراه والدارسين لما بعد الدكتوراه، والإداريين، ولم يكن يوجد طلاب من مرحلة البكالوريوس حيث كانت الدراسة لم تفتح ابوابها بعد، وحين تفحصت الوجوه، وجدت أن الواقفين يمثلون الاممالمتحدة بكل ما تحمل الكلمة، حيث لاحظت وجود العديد من الجنسيات والالوان والاعراق، وأن نسبة الانجليز انفسهم لا تزيد عن النصف، وأن عدد الصينيين يأتي في المرتبة الثانية بنسبة تقارب أعداد الإنجليز، ثم يأتي الهنود، ثم الاوربيين، وآخرين ومن بين الآخرين يأتي العرب والافارقة والاسيويين. وما نجحت فيه الصين والهند والكثير من الدول الاسيوية الاخري وفشلنا فيهنحن، هو أن هذه الدول تقوم بتصدير العقول من المؤهلين والحاصلين علي الدكتوراه في التخصصات العلمية المختلفة لشغل الوظائف الاكاديمية والبحثية في معظم المؤسسات العلمية والجامعات في اوربا ومنها المملكة المتحدة، حيث أن هناك عجز كبير في الاجيال الصغيرة منالخريجينوالباحثين في كافة التخصصات لعزوف الاوربيين عن الإنجاب، وهذا العجز يجب أن يسد بالمؤهلين من كافة دول العالم، وبالطبع يكون ولاء هؤلاء لأوطانهم فإذا توافرت منح مجانية لدراسة الدكتوراه أو أي وظيفة أكاديمية فيقومون بجلب بني جلدتهم لتسكينهم في مثل هذه المواقع، كما أن الصينيين والهنود لا يأكلون إلا ما إعتادوا عليه في بلادهم فلا يأكلون إلا في مطاعمهم ولا يشترون إلا من محلات يملكونها إن وجدت، ويحافظون علي الاموال التي يحصلون عليها بدرجة كبيرة ويقومون بتحويلها مباشرة إلي ذويهم، والصيني ومثله الهندي يستطيع أن يعيش بأقل القليل، وللأمانة أسجل أنهم يعملون بجد ودأب منقطع النظير، وعلي الرغم من أن قدرتهم علي الإبداع والإبتكار ليست مثل الاوربيين ولكنهم يعوضون هذا النقص بالعمل الشاق والمستمر والذي يتمتد لاكثر من 10 ساعات يوميا دون كلل أو ملل. وما هو مسجل عبر العديد من السنوات هو أن الصنيين لا يسببون أي مشاكل أو إضطرابات من أي نوع للدول التي يعملون بها، حيث أن معظمهم من الشيعويين أو اللادينيين أو المسيحيين الجدد، فلا طقوس إحتفالية ولا عبادات ولا تظاهرات، وهذا النوع من القادمين - بالإضافة لكفاءته- هو ما تتطلع إليه المؤسسات والحكومات الاوربية، وفي العقد الاخير كانت سياسة جامعة كوينز هي البحث عن الكفاءات في كافة التخصصات العلمية من جميع دول العالم لصنع خليط من العقول والثقافات المختلفة بغرض تنشيط البحث العلمي، ولشديد الاسي والاسف لاحظت أن عدد العاملين العرب محدود جدا، وإن تواجد المصريون ولكن ليس بصورة كبيرة. إصلاح التعليم في مصر قد يكون الباب السحري لتصدير العمالة المصرية المؤهلة لشغل المواقع البحثية في الدول الاوربية،حيث أن اوربا خلال العشر سنوات القادمة ستكون بحاجة إلي ما يزيد عن عشرة ملايين مهندس وطبيب وباحث في كافة التخصصات، وأري أنه إذا إستطعنا الحصول علي نسبة معقولة من الاعداد المطلوبة لشغل هذه الوظائف فإن هذا سيمثل دخلا إضافيا جيدا من العملات الصعبة مما يكون له أثر إيجابي علي الإقتصاد المصري.