تلقيت خبر تشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق في تلقي منظمات مصرية أموالا من جهات أجنبية وانا على الهواء مع الداعية خالد عبدالله في برنامجه اليومي "مصر الجديدة" على قناة الناس. الخبر كان مفرحا.. لأنه جاء بالتزامن مع الكشف رسميا في واشنطن، عن أنها انفقت 240 مليون جنيه على 600 منظمة مصرية منذ قيام الثورة في 25 يناير وإلى الآن، فيما بدأت البلد تستباح بفضائيات وصحف تُرصد لها أموال طائلة ولا تُعرف مصادر تمويلها.. وهي ظاهرة تتنامى بشكل بكتيري قبل الانتخابات المقرر اجراؤها في سبتمبر القادم؟ ويبدو لي أن قوى دولية وإقليمية تحاول استغلال هذه الفترة الهشة والرخوة، التي تفصلنا عن سبتمبر القادم، لتأسيس لوبيات ضغط داخلية، قادرة على صنع رأي عام يدفع في اتجاه الخدمة على أجندات الممولين الأجانب.. ولذا فإن غالبية الفضائيات والصحف التي صدرت مؤخرا، باتت ملاذا آمنا لفلول مبارك من الإعلاميين من جهة، وتتبنى مادة إعلامية ترسم طريقا آخر غير ذلك الذي قرره الشعب في استفتاء 19 مارس الماضي، وعلى رأسها ارباك البلد أمنيا، للحيلولة دون اجراء الانتخابات في موعدها من جهة أخرى. هذه الأجواء التي اختطفها الإعلام الممول طائفيا أو "دوليا" و"إقليميا".. لا تلتزم فقط بأجندات التأجيل، خوفا من استئثار متوقع للإسلاميين للسلطة، وإنما أيضا لإطالة أمد الارتباك السياسي والفراغ الدستوري والابقاء على حالة غياب الرقابة الشعبية على أداء صانع قرار منتخب، لأن ذلك يعد أفضل بيئة لكل أنواع اللصوصية والانشطة الانتهازية، للحصول على أكبر مكاسب من كعكة التمويل الأجنبي المشبوه، بدون أية مساءلات قضائية. الكل يعلم أن حكومة تسيير الأعمال، ليس لها أية سند شعبي رسمي، وهي محض آلية مؤقتة لسد الفراغ، ولا تريد الصدام مع هذا أو مع ذاك.. ما يجعلها حكومة تميل إلى "الطبطبة" و"الترضية" وليس إلى الصدام والمحاسبة، من المرجح انها تعمل على تعليق كل الملفات لتسليمها للحكومة المنتخبة كي تتحمل مسؤليتها. هذا الوضع "الرخو" هو الأكثر ملائمة للفساد الذي يمارسه إعلام مبارك ما بعد الثورة.. فغالبية الاعلاميين الذين يتصدرون المشهد الآن، ليس لهم أية شرعية إلا شرعية أمن الدولة المنحل.. فجميعهم لم يحصلوا على هذه الامتيازات فلوس وشهرة إلا بتصريح من ضابط أمن الدولة المسئول عن الإعلام.. وهذه الحقيقة قالها أحمد بهجت ذاته.. بمعنى أنهم من الفئات الاجتماعية التي كسبت من وجود مبارك، وتتوقع أن تخسر بعد غيابه، حال استلمت البلد حكومة ديمقراطية ستحاسب وستسأل : من أين لك هذا.. أو على الأقل ستغلق مغارة على البابا بتشديد الرقابة على المال الأجنبي المتدفق عبر قنوات "غسيل الاموال" المعروفة والتي بات الإعلام المصري الخاص بعد الثورة جزءا من أدواتها القذرة. واستنادا إلى هذه المقاربة، فإن التعجيل باجراء الانتخابات البرلمانية، ليس فقط من قبيل احترام إرادة الناس.. وإنما لقطع الطريق على هذه الاستباحة الخطيرة وغير المسبوقة في تاريخ مصر، والتي تحاول اخضاع البلد لحكم الاقلية الاعلامية المدعومة بالمال الطائفي والتطبيعي والخارجي، قبل أن تتحول مصر إلى ملعب كبير تتقاسم فيه الأدوار كل أجهزة المخابرات الاجنبية عبر وكلائها من الاعلاميين المصريين. [email protected]