هناك من يعتقد فى داخل جهاز الشرطة أنه فى معركة مع الشعب، وهناك من يتصور أنه لن يعود إلى عمله إلا إذا قبل الناس علاقة القهر القديمة نفسها، وإلا فإن الشرطة ستقف مكتوفة الأيدى لن تحاسب مجرماً ولا بلطجياً وستكتفى بالفرجة على كل ما يتعرض له المواطنون. نعم لقد خرَّب نظام مبارك مؤسسات الدولة، ولكن تخريب الشرطة تجاوز، وبكثير، تخريب باقى المؤسسات لأنها تحملت بمفردها عبء الدفاع عن كل جرائم النظام السابق الذى حول كل ملفات البلاد لجهاز الأمن من تعيين المعيدين فى الجامعات حتى «تعيين المعارضة»، ومن التفاوض مع العمال المضربين حتى التعامل مع الاحتقانات الطائفية. إن خصوصية نظام مبارك، مقارنة بباقى العهود الجمهورية، لا تعنى فقط أنه كان نظاماً غير ديمقراطى مثل الباقين إنما هو أيضاً نظام أمى سياسياً، فقد ضم نخبة حاكمة من الموظفين المطيعين وياحبذا لو كانوا جهلاء وفاسدين، على عكس باقى النظم الجمهورية التى امتلكت مشروعاً سياسياً استقطب قطاعاً واسعاً من الجماهير (كما جرى فى عهد عبدالناصر)، وبالتالى لم يحتج الأمن إلى محاربة كل الشعب، إنما فقط خصوم النظام من القلة التى غامرت وعارضته سياسيا. أما نظام مبارك الأمى سياسياً فقد حمَّل الشرطة كل ملفات البلد نتيجة فشله وخيبته الثقيلة، فأنصار مبارك هم بضع مئات شهدناهم فى ميدان مصطفى محمود، فى حين أن أنصار على عبدالله صالح وبشار الأسد والقذافى هم مئات الألوف، حتى لو كانوا من المستفيدين من النظام أو المغرر بهم. نظام سياسى يبقى رئيسه 30 عاما فى الحكم وشعبيته صفر، يعنى أنه بلا شرعية ولا إنجاز ولا حتى أى قدرة على التواصل مع الناس، فعشنا الفراغ المطلق الذى ملأه جهاز الأمن وورّطه النظام السابق فى كثير من الجرائم. نعم هناك آلاف من أبناء هذا الجهاز عملوا بشرف وبمهنية وكانوا ضحية مبارك والعادلى، وهؤلاء يجب ألا نشعرهم بأنهم مسؤولون عن جرائم نظام سقط ورئيس مخلوع ووزير مسجون. الشرطة التى نريدها يجب أن تغير من عقيدتها وتعترف بأخطائها السابقة التى يتحملها نظام وجهاز، وليس كل أفراد الشرطة، حتى لو جاهر بعضهم مكابرة بالعداء للثورة، بدلا من الاعتراف والاعتذار عما تورط فيه قبل الثورة. نعم الشعب يريد تطهير الشرطة ورفع رواتب صغار الضباط خصما من رواتب الرتب والكروش الكبيرة، ونعم الشعب يريد شرطة تحميه كما فعلت فى أغلب الأوقات، وشرطة مهنية لا تعتقل آلاف المشتبه فيهم بحثا عن مجرم واحد، شرطة يرى الناس رجالها فى الشارع بحزام مربوط وحذاء نظيف ومظهر لائق يمثل دولة محترمة. لقد أصبح الشرطى فى مصر أضحوكة فى مظهره بين دول العالم، بما فيها البلاد العربية والأفريقية، ونظرة سريعة على مظهر جندى القوات المسلحة ونظيره فى الشرطة سنكتشف الفارق بين مهنية وانضباط الأول وفوضوية وعشوائية الثانى. نريد رجل شرطة من مظهره يحترمه الناس ومن سلوكه يتعمق هذا الاحترام. نقلا عن المصرى اليوم: