في حديث بجريدة الدستور المستقلة يوم 1 مارس وفي معرض تدليله على سلبية الشعب المصري قال طارق حجي (الذي كان يوصف في مقالاته بالأهرام منذ سنوات مضت بالخبير البترولي ويوصف الآن بالمفكر الليبرالي) أن هناك عشرة ملايين قبطي في مصر ولو كانوا ذهبوا للتصويت ضد الإخوان المسلمين لما دخل هؤلاء مجلس الشعب. وبصرف النظر عن رقم العشرة ملايين الذي يدخلنا في الحسبة الطائفية وبصرف النظر عن عدد المؤهلين للتصويت ضمن هذا الرقم فإن حديث حجي هذا يتضمن تحريضا غير مقبول. ولو أن كاتبا خرج على الناس مثلا ليقول أن ملايين المسلمين كان يجب أن يخرجوا للتصويت للحيلولة دون انتخاب يوسف بطرس غالي في دائرته وأن عدم قيامهم بذلك يعد سلبية مرفوضة لاستهجن هذا لأنه يتضمن تحريضا غير مستساغ ولا مقبول مهما كان الرأي في سياسات بطرس غالي المالية. إذا كان لطارق حجي رأي رافض للإخوان فإن الحل لا يكون باقتراح انفعالي تحريضي غير مقبول ولا قابل للتنفيذ بأن يخرج الأقباط عن بكرة أبيهم (بمن فيهم الأطفال الرضع وربما الكنائس والمذابح والأضرحة) للتصويت ضد الاخوان ولكن الحل المعقول يكون في دعوة الناخبين على العموم مسلمين وأقباطا للتصويت ضد الإخوان على خلفية سياسية أي خلفية رفض برامجهم وأفكارهم وليس على خلفية دينية. هذا على الأقل يفترض أنه درس الليبرالية غير الطائفية. ثم لماذا يفترض طارق حجي أنه من واجب الأقباط الخروج أفرادا وجماعات لخوض معركته هو أو معركة تياره الليبرالي مع الإخوان أو مع التيار الإسلامي عموما لا لشيء ولا لهدف ولا لمكسب سوى أن الأقباط أقباط والإخوان مسلمون. غريب أن يصدر هذا الاحتكام لطائفية المحضة ممن يدعوا حسب ما هو معلن ليبراليين . ألا يفترض حجي (وهو افتراض للقول بل ومطلوب بشدة في إطار الفكر الليبرالي الديمقراطي) أن يكون هناك قطاع من الأقباط يقبل بفكر الإخوان كفكر ويصوت من أجلة بينما يوجد من بين المسلمين قطاع عريض يقبل بفكر وتوجه جورج إسحاق وأمين إسكندر ورفيق حبيب ونادية مكرم عبيد ( وزيرة البيئة السابقة) ويخرج بإصرار للتصويت من أجلهم للانتخاب من مناصب تشريعية أو التعيين في مناصب تنفيذية بارزة ومنهم عشرات ومئات غيرهم من الأقباط. إن القضية التي يؤمن بها الفكر الإسلامي هي قضية الكفاءة والوطنية بينما أصحاب الفكر الليبرالي الذين يتحدثون ليلا و نهارا عن فصل الدين عن السياسة يرتكبون تصورات طائفية غير مقبولة بل ويسعون كما هو الحال في هذا التصور إلى إقحام الأقباط بتعسف في خلافهم مع فكر يختلفون معه بينما تقول الليبرالية في دعايتها أن هناك مساحة واسعة للتعاون والتقارب مع التعددية والاختلاف في الفكر. وبجانب السلبية الشعبية (وتصور حجي صحيح منها) فإن هناك مجالات كثيرة يمكن ضرب المثل عليها فيها كما أنه من المهم بالنسبة لأي مفكر أن يحدد أسباب هذه السلبية وأبرزها سياسات نظام الحكم على مدى سنوات طوال لتفتيت الشعب وكسر قواه وفك تجمعاته نزولا إلى مستوى الأسرة وسياسات الإرهاب والتخويف والقمع. [email protected]