لم أجد غير عنوان رواية "الشيطان يعظ" لأديبنا الكبير "نجيب محفوظ" ،حتى تكون عنواناً موحياًومعبراً ،عن كل ماتضمنه خطاب الرئيس الأمريكى "أوباما" ،أمام إجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير فى دورتها ال (69)، والذى حاول ببلاغة خطيب مفوه ،أن يخلط فيه المفاهيم ،وأن يدلس على المجتمع الدولى وأن يمرر من خلاله العديد من المغالطات والأباطيل التاريخية والمعاشة ، حتى يجمل وجه الولاياتالمتحدة "القبيح" ، التى وقفت و ماتزال تقف وراء معظم الأزمات والمشاكل الإقليمية والدولية التى يعانى منها عالمنا المعاصر منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. إن الولاياتالمتحدةالأمريكية ،ترى فى نفسها الوريث الشرعى للإمبراطوريتين الفرنسية والإنجليزية ،وأن مكونات قوتها الإقتصادية والعسكرية ، كانتا السبب الرئيسى الذى مكن الحلفاء من تحقيق الإنتصار فى الحرب الكونية الثانية على المانيا وإيطاليا واليابان، ثم فى التصدى وإستنزاف الإتحاد السوفيتى السابق خلال فترة الحرب الباردة السابقة . ولكن وقبل تناول ماجاء بخطاب "أوباما" ومغالطاته ،فإن الأمانة تقتضى أن نشير للجهة المنوط بها وضع السياسة الأمريكية وتقريرها ،و الجهة المنوط بها تنفيذ هذه السياسات ، لاسيما وأن واقع الأمر يجعل من أى رئيس أمريكى منفذأًًفقط لسياسات وضعتها له مؤسسات الدولة التى تستطيع مساءلة الرئيس ومحاكمته وعزله إن حاد عنها ،وهى سياسات ثابته وضعتها تلك المؤسسات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ،ومازالت سارية حتى الأن ،وغير مسموح بتعديلها إلا إذا حتمت المصلحة الأمريكية ذلك ،عكس المعمول به فى منطقتنا العربية ،حيث ينفرد صاحب الفخامة والجلالة والسمو بوضع السياسات وتغيرها حسب مزاجه الشخصى وفى غياب تام لمؤسسات الدولة ويجبر الجميع على تنفيذها بصفتهم سكرتارية السيد الرئيس . بعد هذا الإيضاح ، فإن خطاب " أوباما " هو تعبير عن رؤية مؤسسات صنع القرار الأمريكى والتى يمكن إيجاز مضمونها فى الأتى : - إن العالم اليوم يقف على مفترق طرق بين الحرب والسلام ،والفوضى والنظام . - أمريكا تسعى لتحقيق التجارة الحرة والسلام والإستقرار فى العالم ،وتسوية النزاعات الحدودية سلمياً وفقاً لأحكام القانون الدولى. - إن أمريكا ترى أن الحق هو القوة ،ويجب الوقوف مع المبدأ ضد القوة . - إن الحرب الدينية "هلوسة" يروج لها التكفيريون والإرهابيون . - إن "الإيدلوجية" الإرهابية قد حرفت أحد الأديان الكبرى الثلاث –الإسلام – وقسمت العالم لمؤمنين وكفار . - يلجأ للإرهاب كل من لايستطيع الحصول على السلطة سلمياً. - وأن هناك أربعة محاور لمواجهة التطرف والإرهاب :أولها أن يتم القضاء على جماعة "داعش"، وثانيها أن يرفض العالم الإسلامى "أيدلوجيات" القاعدة وجماعة "داعش" التكفيرية و أن على كل الديانات مواكبة ذلك وقبول العالم متعدد الثقافات وتعليم الأطفال هذه المبادىء من الصغر، وثالثها ضرورة التصدى للعنف الطائفى الذى يهيىء الظروف التى تسمح للإرهابين والتكفيرينبالإزدهار مثلما حدث فى الماضى بأوربا ويحدث اليوم فى العالم الإسلامى بين السنة والشيعة ،ورابعها والأخيرة أنه يجب على العرب والمسلمين التركيز على إستثمار طاقاتهم وبالذات الشباب الذى يؤمن بالتعليم والتنوير وليس القتل - صعوبة حل القضية الفلسطينية وترديد ذات المقولات التى سبق وتعهد بها تعهد بها "بوش"الإبن من قبل بخصوص سعى الولاياتالمتحدة لتحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطينبحل إقامة الدولة الفلسطينية المتصلة و القابلة للحياة بجوار دولة إسرائيل،وساوت الؤية الأمريكية فى خطاب "أوباما" بين صواريخ المقاومة "الفشنك" وبين قتل ألة الحرب الإسرائيلية لمئات الأطفال فى قطاع غزة وإرتكابها لجرائم حرب ضد الإنسانية وإكتفت بتسجيل أن الصراع "العربى / الإسرائيلى" قد أستخدم كثيراً لإلهاء شعوب المنطقة. - وفى النهاية إعتراف بأن أمريكا مازالت بها مشاكل عنصرية ،وإن كانوا يحاولون حل ذلك من خلال نقد انفسهم داخل المجتمع الأمريكى، الذى يستطيع أن يحاسب قادته ويحترم القضاء و القانون . - وهنا تكون كلمتنا تعقيباً على ماجاء بخطاب "أوباما " السابق بيانه بالسطور السابقة والتى هى ترجمة لرؤية صانع القرار الأمريكىوذلك على النحو التالى: - 1 - بعد إنفراط عقد الإتحاد السوفيتى السابق وإنفراد أمريكا بقيادة عالم أحادى القطبية ، فقد تفتق فكر أمريكا "الإمبريالى" على تخليق نظرية عبثية جديدة أسمتها "الفوضى الخلاقة"،تعيد بها تشكيل وتنظيم العالم ، وفق مصالحها وإهتماماتها الإستيراتيجية والإمبريالية الحالية ، و التى سبق وأن تجاهلتها إتفاقية "سيكس بيكو" التى وقعت فى ظل الإمبراطوريتين القديمتين "الإنجليزية والفرنسية" ،وهى النظرية التى نجم عن ترجمتها على أرض الواقع من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية ،أن حدثت فوضى عارمة بالعالم وحروب أهلية ومذهبية وطائفية وقبلية داخل الدولة الواحدة أو خارج حدودها ، مما وفر لأمريكا زريعة مصطنعة تتيح لها التدخل فى شئون الدول الداخلية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، بحجة المحافظة على أمن ومصالح المجتمع الدولى ، بينما هى فى حقيقة الأمر تعيد تشكيل المنطقة وتقسمها على أسس عرقية وطائفية ومذهبية تتوافق ومصالح العم "سام" القبيح وتطلعاته الكونية . - 2 - إن غرور القوة الإقتصادية والعسكرية ، قد أعمت ساسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وجعلتهم يضعون القوة فوق الحق ،بحيث نصبوا من أنفسهم شرطى العالم ، وسمحوا لأنفسهم الإعتداء على سيادة الدول والتدخل فى شئونها الداخلية ،وجعلوا للقوانين الأمريكية الأسبقية على القانون الدولى، وأعطواحكومة الولاياتالمتحدة الحق فى تنفيذ قوانينها على شتى بقاع المعمورة . 3 - إن الإرهاب الذى يعانى منه حالياً عالمنا المعاصر ،هو صناعة أمريكية بإمتياز ، للتخديم على مصالحها الدولية وألتستر على أطماعها فى ثروات العالم ومقدراته ا ، وهو ما حدث مع" القاعدة وطالبان وداعش والنصرة " وجماعات أخرى تنتسب للإسلام السياسى تواجدت بمنطقتنا ،حتى إذا ما حققت هذه الجماعات لأمريكا الهدف الذى من أجله خلقت تكون نهايتهاوتشرع أمريكا فى تحرير وثيقة وفاتها بدعوى خطورتها على السلم والأمن العالمى ، ولكونها عالة على البشرية والحضارة الإنسانية ،ولكى تفتح الطريق أمام جماعة أخرى تشكلها وتدعمها وتوظفها ، لتحقق لها الجديد من أهدافها الإمبريالية والتوسعية . 4- إن القضية الفلسطينية خير دليل على، عدم نزاهة وشفافية وحيادية وعدل الغرب وعنصريته بصفة عامة وأمريكا بصفة خاصة ، ،و على كيلهما بمكيالين عند تناول هذه القضية المأساة والتعامل مع أطرافها ،فضلاً عن عدم إحترامهمالحق كل الشعوب فى تقرير مصيرها وفى الطليعة منها الشعب الفلسطينى ،الذى سلبت منه أرضه و تم تمكين الإستعمار الإستيطانى الصهيونى البغيض منه وتسليحهودعمه إقتصادياً وسياسياً ،وحمايته "بالفيتو" الأمريكى من المساءلة الدولية و القانونية،عن كل ماإرتكبه من جرائم حرب ضد الفلسطنين ،و لعدم إحترامه المواثيق الدولية وقرارات الأممالمتحدة الصادرة بشأن القضية الفلسطينية ،حتى وصل الحال بالرئيس "أوباما" أن يقول بأريحية يحسد عليها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأمس "أنهم قد قضوا على العنصرية فى الحرب العالمية الثانية"، وتناسى صاحب الفخامة أن الغرب وأمريكا معاً قد زرعوا فى أعقاب الحرب الكونية الثانية دولة "إسرائيل" بمنطقتنا العربية، حتى يتخلصا من اليهود الذين وصفهم "تشرشل" فى مذكراته بأنهم كانوا "لاعمل لهم سوى تنفيذ المؤامرات الدولية على الشعوب وتفكيك أواصرها وبعثرة قواها ،والقيام بالدور الإنهزامى فى كل مجتمع يحلون به"، و تظل منطقتنا العربية تدور فى حلقة مفرغة من عدم الإستقرار والجهالة والتخلف .