تعرضت الجمعة الماضية لحادث مروع عندما كنت أقود سيارتى ومعى زوجتى وابنتى واثنين من احفادى الصغار على الطريق الدائرى بالقاهرة. نتيجة تكسير بالاسفلت ادى الى تغيير اتجاه السيارة فجأة بزاوية 90 درجة وبسرعة تقارب 100 كم ساعة . لتصطدم سيارتى بكل قوة بالحاجز الخرسانى الاوسط للطريق الدائرى . توقعت ان اللحظة هى لحظة الموت فكنت اردد الشهادة وتوقعت أننى لو نجوت من الموت فإننى قد أصاب بمصيبة عظيمة فى بعض أهلى وأيقنت أن سيارتى التى لم يمض على إنتاجها أكثر من سبعة أشهر ستتهشم تماما . فتذكرت قول الله تعالى (وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). ما إن رددت قول الله تعالى( إنا لله وإنا إليه راجعون) حتى تذكرت ما كنت أعظ الناس به فى إحدى خطبى عندما قلت : مصيبة واحدة وثلاث جوائز صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون . كنت أظن فى خطبتى أن الرحمة هى رحمة لأهل المصيبة فى الآخرة أو رحمة لهم فى الدنيا بعد نزول المصيبة . لكن إحساس ما وشعور أكيد ملأنى فى تلك اللحظة العصيبة أن الرحمة ستتنزل على مع نزول المصيبة وليس بعدها . أيقنت وأنا اردد هذه الكلمة أننى سأخرج من هذا الحادث معافاً من كل أذىً ، وأن من معى من أهلى وذريتى لن يصيبهم أى مكروه ، برغم قسوة وشدة اصطدام السيارة التى تهشمت مقدمتها تماما وتحولت الى قطعة خردة غير قابلة للإصلاح . وأن البشارة فى قوله تعالى (وبشر الصابرين) هى فى تلك اللحظة فى الدنيا قبل الآخرة حين تقر عينى برؤية زوجتى وابنتى وأحفادى فى عافية ، وأننى سأصبر على مصابى فى سيارتى التى أودعت فيها كل مدخراتى صبرا جميلا . كل هذا اليقين قذف فى قلبى قذفا حتى ملأه فى لحظة واحدة . توقفت السيارة أو قل حطامها على يسار الطريق وخرجنا سالمين وسط ذهول أولاد الحلال الذين توقفوا بسياراتهم وأوقفوا حركة السير على الطريق تمهيدا لانتشال جثثنا الممزقة وسط حطام السيارة . فوجئ الجميع أننى أسير على قدمى ، وأُجلس زوجتى وابنتى وأحفادى بهدوء على الحاجز الأوسط للطريق وأطمئن عليهم واحدا واحدا . ولكننى لم أفاجأ بشئ ، فقد كنت استقبل البشارة ،وأقلب بصرى وخاطرى فى رحمة الله التى أبت إلا أن تتنزل مع المصيبة . منتظرا ما تبقى لى من وعد ربى من جوائز لست اهلا لها ولكن ربى عودنى منه على كل جميل . نظرت وانا اجلس على الحاجز الاوسط للطريق الى المسافة الفاصلة بين المكان الذى انحرفت منه السيارة والمكان الذى استقر فيه حطامها فوجدتها لا تستغرق من العمر سوى ثانيتين او ثلاث .