غبي ذلك الذي يحاول أن يقف في وجه الزمن, والأكثر غباء ذلك الذي يحاول أن يستثمر طاقاته وقدراته وطاقات الآخرين كي يطوع الزمن ليصبح كما يريد, فالزمن ليس موظفا مرتشيا أو فاسدا يمكن شراء ذمته أو أن تعمي بصره وضميره ليمرر له ما يريد, ولنا فيما قرأنا وعشنا وتعلمنا وجربنا وما ورثناه عن أجدادنا وما ورد إلينا في كتب التاريخ العبر والدروس فأدركنا وأيقنا بأن دوام الحال من المحال وبأن قطار العمر –رضينا أم أبينا- لا يمكن أن يتوقف ولا يمكن أيضا أن نوقفه عند محطة الطفولة أو الشباب, فقطار الزمن يسير علي قضبانه ونحن بداخله منذ أن خلق الله الأرض وما عليها وسيظل هكذا إلي أن يرثها ومن فيها, ومن ينتهي عمره ينزل منه ليحل محله آخر, وقد يبطأ القطار في سيره فتطول الرحلة بعض الوقت وقد يسرع فتقصر الرحلة, ولكننا لم نري ولم نسمع عن وليد توقف عمره عند السنة الأولي أو الثانية, ولكننا نولد لنعيش مراحل العمر المختلفة ثم نموت, فلا يمكن أن نجد بيننا من نسيه الزمن أو غفل عنه فظل في القطار دون نزول, فلا يوجد بيننا الآن من ولد مع الثورة العرابية أو حتى من شارك في ثورة 19 ولا نعرف أحدا استطاع أن يخفي نفسه في كبسولة أو غرفة محكمة الإغلاق كي لا يدركه الموت. فللزمان حكمه ولكل وقت رجاله وهذا الحكم يسري علي الجميع, الملك قبل رعيته والغني قبل خادمه, وكم من ذليل حمله الزمن علي جناحيه وحلَق به إلي عنان السماء ليعتقد بأنه يمسك النجوم بيديه أو يكاد ليصبح عزيزا بغير عزة, فيأمر وينهي ويمنح ويمنع وكأنه الحاكم بأمره, وكثيرا ما يلعب الشيطان برأسه فيخيل إليه أنه يستطيع أن يحيي ويميت ناسيا أو متناسيا أنه قد خلق من وهن وأنه خلق من التراب الذي يدوسه واليه سيعود –مهما طال اجله- فيختبره مولاه بفيروس أنفلونزا طائر أو خنزير أو بفيروس سى أو ورم خبيث بالاثني عشر أو لوكيميا أو حتى انزلاق غضروفي, فيعود إليه رشده في وهنه ولكن بعد فوات الأوان ليرجع من معسكر الأعزاء إلي حزب الأذلاء يستجدي ممن ظلمهم أو من أرواح من سلبهم الحياة الصفح والمغفرة ويتوسل لمن سقاهم كأس ذله في أيام عزه أن يسامحوه, فيرق له قلب البعض فيصفح عنه ويغفر له أخطاءه وخطاياه, ويشمت فيه بعض آخر, ولا يسامحه جزء آخر أما الباقي فيدعون عليه بأن يقصف الله عمره, ولكن شعبنا بصفه عامه شعب مسامح, يسامح جلاديه وورث عن أجداده المقولة المشهورة التي تقوم مقام شركات التأمين في كثير من الأحيان وهي "المسامح كريم" و "ربنا يعوض", ولا أحد يدري هل صفة السماحة أو التسامح التي يتصف بها شعبنا نابعة من داخله نتيجة لتدينه سواء كان مسلما أو مسيحيا أم أن هذا التسامح نتج عن الانكسار وقلة الحيلة التي تسربت إلي روحه ودمه واستقرت في وجدانه عبر القرون فنتج عنها أناس الكثير منهم منقاد تماما ومستسلم بصورة تثير الغيظ والحنق من هذا الخضوع,ولكن الله هو العالم بالسرائر فهو سبحانه وتعالي القائل " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " المؤمنون 99-100, فلا أحد يعلم سوي الله وحده هل توبة من افتري وطغي هي توبة صادقة أم هي مناورة كالتي اعتاد أن يقوم بها طوال حياته كي يهرب من عقاب الدنيا والآخرة وعذاب الضمير أيضا. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية [email protected]