هذه على فكرة ليس لها أي علاقة بالورقة الدوارة الخاصة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم اليوم.. إنما هي محاولة اجتماعية ونصف سياسية شاملة لفض الاشتباك، ونزع فتيل الاستقطاب الناسف للمجتمع وللوطن والأخضر واليابس على أرض بلادي الغالية.. كلنا مر على مئات المشاجرات التي تحدث في كل مكان في بلدنا.. وكلنا سمع تلك العبارة التي يطلقها القائمون على "التسليك" بين المتشاجرين "صلوا على النبي" .. تلك العبارة الساحرة ببساطة تعني دعوة واضحة للتفاهم بالعقل.. مما يستلزم من الطرفين المتشاجرين التحاور برعاية الوسيط الذي أطلق منذ لحظات عبارة السر "صلوا على النبي" ويبدأ الجميع في طرح المشكلة والاستماع إليها.. الاستسلام إلى العبارة الساحرة "صلوا على النبي" معناه استعداد أطراف الشجار إلى إعادة تقويم الموقف والاعتراف بوقوع بعض الأخطاء والتجاوزات ودخول عوامل مثل سوء الفهم، وعدم قصد الإساءة، وبالتالي الاستعداد الضمني لتقديم بعض التنازلات بعد الشرح المستفيض لوجهات النظر المختلفة.. تبدأ المبادرة بعبارة"صلوا على النبي" وتنتهي في الأغلب بالتفاهم والصلح على شروط يتم التوافق حولها.. وكثيرا ما يكتشف الطرفان المتشاجران وجود طرف ثالث له مصلحة في "تسخين الشجار" قام بالدور الأكبر في إزكاء نار الخلاف وصولا للحرب الأهلية.. في بعض الأحيان يكون لأحد طرفي الشجار حقا معلوما عند الطرف الآخر.. ومع ذلك يظل يثّمن محاولات الوسيط الذي أطلق مبادرة "صلوا على النبي"، ولا يرميه بتهمة خذلان حقه الواضح الصريح.. لأنه يقدر فيه رغبته في الإصلاح وتقريب وجهات النظر.. أذكر أنني منذ ما يقرب من عشرين شهرا تقريبا نشرت مقالا بعنوان :"نحن لا نستقطب ولا نساعد على الاستقطاب" أردت من خلاله توجيه رسالة لجميع الأطراف المتناحرة آن ذاك بتخفيف حدة الاستقطاب التي ستقودنا إلى المهالك.. ومازلت أكرر بعدما رأيت النتائج الكارثية عين اليقين.. أن الاستقطاب الحاد هو أبو الخبائث.. ولذلك أطلق مبادرة "صلوا على النبي" داعيا كل أطياف وأشكال وجماعات وتيارات وحركات.. بل وأفراد المجتمع المصري.. إلى أن نجلس جميعا بعضنا مع بعض لنتحاور بهدوء.. ومثلما يقول الرجل البورسعيدي "الجدع" في "برومو قناة الجزيرة مباشر مصر": "ولا نقول سيسي ولا إخوان بقى احنا عاوزين حقوقنا بس ارحمونا علشان ربنا يرحمكم".. دعونا ننقاش مشاكلنا بهدوء وبلا استقطاب ولا إصرار على مطالب إما هي وإلا القتال إلى آخر نفس.. أدرك وأنا أطلق هذه المبادرة أن ملايين من أبناء وطني يرون حقائق دامغة على الأرض بأن الوطن ينحدر إلى الهاوية.. وأننا مقبلون على كارثة محققة لا ريب في ذلك.. يمنعهم عن الاعتراف بالواقع وبالتالي محاولة إيقاف هذا السقوط المميت، أسباب أغلبها نفسية وأستطيع أن أتخيل بعضها وألخصه في التالي: 1 – لا يريدون الاعتراف بخطأ رهاناتهم وبالتالي يتمسكون بالأمل في إمكانية ألا تؤدي المقدمات الكارثية إلى نتائجها المحتومة.. وكأن العناية الإلهية وحدها ستمنع الكارثة المحققة. 2 – خصوماتهم السابقة النفسية والاجتماعية والشخصية مع تيارات الإسلام السياسي تدفعهم للخوف من العودة إلى مسارهم ولو كان صحيحا.. 3 – الاستسلام للأحلام الهروبية اعتمادا على نظرية يصدرها لهم الإعلام الموجه وهي نظرية"جحا والحمار والملك.. وتقضي أنه بعد عشر سنوات إما أن يموت الملك أو جحا أو الحمار" ولذلك تجد رجلا مُعدما في كل شيء يقف ليقول لك "صحيح الوضع أسوأ من الأول.. لكن في حاجات حلوة حصلت.. زي مشروع قناة السويس الجديد" مشروع القناة بعيدا عن "اللَبلَب" أي اللغط المثار حوله، لم يحل مشكلات الرجل الحياتية الآنية من ارتفاع في الأسعار وانقطاع في الكهرباء وبيع حقول الغاز وتكميم الأفواه.. ولكنه يهرب من الواقع الضاغط إلى أحلام مستقبلية على أمل" بكرة حيبقى أحسن" 4 – رفع شعار"تخرب ما تعمر بس ما ترجعش للإخوان ومرسي تاني" هذه بعض مبررات شريحة كبيرة من أحد أطراف الشجار داخل الوطن.. شريحة أخرى لها مبررات مختلفة منها: إن الإخوان لا يعترفون بأخطائهم ويستعلون على الناس ولا يرضوا إلا بالاستحواذ على المشهد.. وبالتالي بين "نار العسكر والاخوان" يا قلبي كمل حزنك إلى يوم الدين.. في مقابل هؤلاء شريحة أخرى لا يستهان بها تؤمن بأن الشرعية هي كلمة الشعب شريطة أن تكون هذه الكلمة في انتخابات حرة نزيهة "وليس في مظاهرات فوتوشوب".. وقد قالها الشعب.. وهم على استعداد لدفع حياتهم وحياة الوطن وكل شيء في سبيل عودة شرعية الشعب.. بمعنى إما الشرعية وإما "تخرب ما تعمر برضه بس العسكر ما يحكمش".. لأنها كلما "خربت أكثر" كلما دلت على أن ما حدث كان انقلابا دمويا فاشلا ومجرما.. ولذلك يرفض هذا الطرف أي حلول جزئية لأن المطالب عنده محسومة دون النظر إلى آلية الوصول إلى تحقيقها.. الوطن يدفع الثمن.. الوطن "مش يعني حضن بس".. الوطن يعني المواطن يعني الإنسان.. يعني أنا وأنت وأولادنا والأجيال القادمة.. يعني بنيته الأساسية ومشروعاته واقتصاده .. لو ممتلكات الوطن تم تخريبها نصبح بلا واقع ولا مستقبل.. سنعيش في الشارع بلا مأوى.. ويمكن لا نجد رصيفا نعيش عليه نحن والأجيال القادمة.. تعالوا معا نطلق مبادرة "صلوا على النبي" حيث ننزع فتيل الاستقطاب الحاد ونتحاور في هدوء.. نعترف جميعا بأخطائنا.. ونحاول معرفة الشيطان "اللي دخل بيننا".. بصرف النظر عن حبنا أو كرهنا لهذا الشيطان.. لأننا عندما نتحاور بهدوء وبلا تعصب سندرك الحقيقة: هل هو شيطان أم ملاك.. منقذ أم مهلك؟.. وبعدها نتوافق على حلول، كلنا سنقدم فيها تنازلات.. تنازلات ضخمة.. لا من أجل خيانة القضية.. ولا لأننا "تعبنا من النضال" ولكن لأننا نريد حماية الوطن"اللي هو مش مجرد حضن.. واللي معناه الحقيقي إحنا.. إحنا وعيالنا وأهلنا، هو ده الوطن يا سادة" .. مبادرتي هذه تعني إنني "لازم أخلع نفسي" من التحيز لطرف من أطراف التناحر والاستقطاب.."علشان أقدر" أقول:"صلوا على النبي" بصدق وبموضوعية وحيادية بين كل الأطراف.. شخصيا وأنا أطلق مبادرة" صلوا على النبي" أرى أن المعادلة بين الشعب والقتلة والسفاحين معادلة صفرية.. ولكننا نطرح معادلة تقبل العديد من الأرقام، وتقبل القسمة على كل شركاء الوطن الفرقاء.. ومعنى ذلك أن كل من تسبب في إسالة دماء يجب أن يحاسب، من أي الأطراف كان.. مجرما كان أو متخاذلا أو غبيا أو متغابيا، أو أحمقا توسد أمرا لا يصلح للقيام بمسؤوليته.. فإما محاكمة الجميع بنسبة مشاركته في الجريمة، وإما الصفح عن الجميع برغم جرائم البعض الثقيلة جدا.. لا يوجد طرف سيخرج من مبادرة"صلوا على النبي" بلا خسائر أو عقاب أو محاسبة أو لوم وتقريع أو تنازلات.. لكن سيخرج منها الوطن"اللي هو مش حضن، واللي هو إحنا وعيالنا وأهلنا" الرابح الوحيد والأكيد.. أطرح هذه المبادرة وأنا مدرك تماماً للمثل الشعبي"ما ينوب المسلّك إلا تقطيع هدومه"، وجاهز "للتقطيع" باعتباره ضريبة لابد منها.. "ما تيجوا بقى نصلي على النبي"..