ارتكز المشروع الصهيوني في فلسطين على تملك أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية،وقد عملت الصهيونية بتأييد ودعم ومباركة سلطات الانتداب البريطاني على منح اليهود أكبر قدر من الأراضي في فلسطين بكافة الوسائل والطرق القانونية وغير القانونية، واستناداً إلى المادة 6 من صك الانتداب البريطاني على فلسطين والتي نصت على " على إدارة فلسطين- مع ضمان عدم إلحاق الضرر بحقوق، ووضع فئات الأهالي الأخرى- أن تسهل هجرة اليهود في أحوال ملائمة وأن تشجع بالتعاون مع الوكالة اليهودية المشار إليها في المادة الرابعة- حشد اليهود في الأراضي الأميرية والأراضي الموات غير المطلوبة للمقاصد العمومية" ومن المهم التوقف عند موضوع تملك الأراضي نظراً للفرية التي يرددها البعض سواء بوعي أو بدون وعي في معظم الأحيان،والتي تصب في مصلحة الكيان الصهيوني، وتخدم مخططاته، والتي تشكل دعوة للنكوص والسلبية في مساعدة الفلسطينيين تحت دعم أنهم قد باعوا أرضهم لليهود وهي الفرية التي يردده الكثيرون دون بينة أو دليل لقد عملت الإدارة البريطانية على تهيئة كل السبل أمام اليهود لتملك الأراضي ومن ذلك:- 1- إصدار العديد من التشريعات التي تطلق يدها في التصرف في الأراضي الأميرية في فلسطين،وقد أعطى دستور فلسطين الصادر عام 1922 المندوب السامي البريطاني سلطات واسعة في إعطاء اليهود الأراضي العمومية عن طريق الهبة أو الإيجار،كما أصدرت الحكومة البريطانية عام 1926 قانون نزع الملكية لتسهيل استيلاء اليهود على الأراضي. 2- اتخاذ السلطات البريطانية العديد من الإجراءات لإكراه العرب على بيع أراضيهم منها: أ- فرض ضرائب باهظة على الأرض، فقد كانت نسبة الضرائب ترتفع إلى 35٪ من دخل المزارع العربي حيث كان يعمل الفلسطينيون بالزراعة، بينما كان يعمل اليهود في مجالات الصناعة والتجارة. ب- حظر تصدير المنتجات الزراعية إلى الخارج مما أدى إلى عجز المزارع الفلسطيني عن تسديد الديون والضرائب في الوقت الذي تم فيه فتح الباب لاستيراد السلع التي تخدم اليهود. ج- تصفية البنك الزراعي العثماني في فلسطين وتحصيل معظم ديونه قسراً من صغار المزارعين مما أضطرهم إلى بيع أراضيهم لسداد الديون. د- وضع العقبات أمام المزارع الفلسطيني للحصول على الأسمدة والبذور وغيرها من مستلزمات الزراعة. 3- قيام عائلات عربية سورية ولبنانية كانت تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي في فلسطين ببيع أراضيها لليهود بدلا من بيعها للفلسطينيين. 4- الجهود الصهيونية لشراء الأراضي عن طريق الإغراءات المالية والسماسرة، فقد أسست الصهيونية شركتين يهوديتين أسهم في تمويلهما يهود أمريكا وبريطانيا لشراء الأراضي في فلسطين، وكانت الإدارة الفعلية لهاتين الشركتين في يد الوكالة اليهودية، وقد نص في قانون هاتين الشركتين على "أن ما يشتري من الأراضي في فلسطين من العرب يحتفظ به ملكاً ثابتاً للشعب اليهودي لا يمكن انتقاله إلى أيدٍ أخرى، وأنه يحرم استخدام غير اليهودي للعمل في تلك الأراضي في جميع الأحوال سواء كانت إصلاحاً أم زراعة." وبالرغم من كل هذه الإجراءات والتدابير فإن مجموع ما امتلكه اليهود حتى عام 1948 لم يزد عن 7٪ من الأراضي الزراعية بفلسطين،والتي تبلغ مساحتها 27 مليون دونم (الدونم ألف متر مربع = ربع فدان تقريباً) وتوضح الإحصاءات أن اليهود قد امتلكوا 650 ألف دونم أثناء الحكم العثماني لفلسطين وقبل الاحتلال البريطاني،وقد ارتفع حجم الأراضي الزراعية المملوكة لليهود بعد الاحتلال البريطاني عن طريقين رئيسيين هما: الأراضي الأميرية التي منحتها الإدارة البريطانية لليهود، والأراضي التي باعتها الأسر العربية غير الفلسطينية لليهود، أما الجزء الأصغر فقد باعه الفلسطينيون نتيجة للضغوط عليهم وعجزهم عن تسديد الديون المتراكمة عليهم،وكذلك تحايل بعض السماسرة وقيامهم بشراء الأراضي منهم ثم بيعها لليهود بأثمان باهظة، كما باع البعض أراضيهم نتيجة للإغراءات اليهودية. وتوضح الإحصائية الآتية مجموع ما امتلكه اليهود حتى عام 1948، والمصادر التي حصلوا منها على هذه الأراضي:- 650 ألف دونم أثناء الحكم العثماني 679 ألف دونم من الإدارة البريطانية سواء مجاناً أو بأجر رمزي 678 ألف دونم من الأسر غير الفلسطينية كأسرة آل سلام وآل سرسق والتيان والتوني والقباني وشمعة والقوتلي....وغيرها من الأسر 68 ألف دونم تملكها اليهود من عرب فلسطين بالاغتصاب والقوانين والتحايل والإغراءات المجموع: 2.075.000
ويتضح من هذه الإحصائية أن ما ملكه اليهود من عرب فلسطين مباشرة لا يتعدى 68 ألف دونم،وأن الكثير منها اغتصب عن طريق الأوامر وقوانين نزع الملكية،وغيرها من وسائل الضغط والتحايل،وأن الجزء الصغير من هذه الأراضي والذي لا يتعدى بضعة آلاف هو الذي باعه أهل فلسطين،وهو قدر يقل جدا عما يباع للأجانب في أى بلد عربي آخر. وقد عمل الفلسطينيون على مواجهة ظاهرة انتقال الأراضي لليهود، والتي كانت أحد أسباب انتفاضة الفلسطينيين عام 1933، فقد لجأت القيادات الفلسطينية وعلى رأسها مفتي القدس محمد أمين الحسيني إلى أسلوب الإقناع لمحاولة وقف جهود سماسرة الأراضي عن طريق إقناع أهالي القرى بمنع بيع أراضيهم إليهم، والتمسك بها، كما لجأ إلى عقد الاجتماعات لعلماء الدين لاستصدار الفتاوى بتحريم بيع الأرض لليهود،وقد اصدر مؤتمر علماء فلسطين في عام 1935 فتوى دينية بتحريم بيع الأراضي لليهود،وتحريم الصلاة والدفن في مقابر المسلمين على البائع والسمسار والوسيط،،ودعت الفتوى إلى نبذهم ومقاطعتهم، كما أصدر العديد من كبار العلماء من خارج فلسطين الفتاوى المماثلة،ومنها فتوى الشيخ رشيد رضا الذي جاء فيها "أن من يبيع شيئا من أرض فلسطين وما حولها لليهود أو للإنجليز فهو كمن يبيع المسجد الأقصى وكمن يبيع الوطن كله." كم تم تأسيس "صندوق الأمة" لجمع التبرعات والاشتراكات لتكوين رأس مال عربي لشراء الأراضي المهددة بالبيع، حيث تم إنقاذ بعض الأراضي التي كانت معروضة للبيع.. كما لجأ الشباب الفلسطيني إلى استخدام العنف ضد البائعين والسماسرة مما أدى إلى اغتيال عدد من الخونة، بينما غادر البعض الآخر فلسطين إلى الدول العربية المجاورة لينجوا بما حققوه من أموال وثروات
كاتب ومحلل سياسي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.