الغرب في عموميته، ما أنفك يبحث عن طرق وأساليب وخطط بشتى المغلفات، بغرض السيطرة على العالم أو السيطرة على المناطق المهمة فيه، لا سيما منطقة الشرق الأوسط والمناطق القريبة منها . واللافت في هذا الجانب أن الغرب يتخذ المحافل الدولية والتكتلات السياسية والمجموعات الاقتصادية والصناعية، وحتى الآلية العسكرية بما فيها حلف (الناتو)، وسيلة وواجهة وغطاء في تنفيذ هذه الاستراتيجية التي لا تخلو من الغزو والاحتلال، كما فعلت أمريكا حيال العراق وأفغانستان، وفي هذا السياق جاء إعلان مجموعة الثماني عن انطلاق (شراكة دوفيل) مع دول وشعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا . ويذكر أن منطقة دوفيل هي منتجع بحري فرنسي كان المكان الذي عُقدت فيه قمة الثماني . ان جميع الاستراتيجيات التي ابتكرها الغرب وأمريكا في هذا الجانب، إنما تمثل عملاً تواصلياً وإن اختلفت المسميات والآليات والظروف، ولتكون هذه الاستراتيجية القديمة الجديدة، تتناسب وتتكيف مع المراحل والحقب في ضوء تطورات وانعطافات الأحداث التي تدهم أو تطرأ في هذه المنطقة أو تلك، بحيث غدا الغرب عموماً، وأمريكا على وجه الخصوص، لا يترك فرصة أو حدثاً يمر من دون أن يدلو بدلوه فيه . ولو أخذنا ما جرى من ثورات شعبية على نحو ما حدث في تونس ومصر، نرى في الفترة الأخيرة مجموعة الثماني تُبشر بشراكة عالمية وطويلة الأمد وعلى نحو مشروط، عبر ما يُقال عن تقديم 40 مليار دولار إلى دول (الربيع العربي) وتحديداً مصر وتونس، ضمن إطار ما يسمى (شراكة دوفيل)، مع الإشارة إلى أن أوساطاً قريبة من القمة شككت في إمكانية تحويل الأقوال إلى أفعال، ولا سيما بالنسبة لتقديم الأموال المذكورة، حيث ورد في البيان الختامي تقديم نصف المبلغ الآنف أي 20 مليار دولار على شكل قروض وليس منحاً . بيد أن مجلة “فورين بوليسي” كشفت جانباً من عملية تقديم هذه الأموال عندما ذكرت أن مسؤولين أمريكيين على رأسهم ديفيد ليبتون قد نسقوا حزمة المساعدات التي تم الإعلان عنها في قمة الثماني في دوفيل بفرنسا، وسوف يقدم صندوق النقد الدولي قروضاً قيمتها 35 مليار دولار للدول المستوردة للنفط، أي دول الشرق الأوسط الفقيرة، وسيقدم البنك الدولي ستة مليارات لدعم الموازنة ومساعدة المشروعات في مصر وتونس مع بعض التمويل من بنك التنمية الإفريقي والبنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار، كما وعدت بعض بلدان المنطقة بتقديم 14 ملياراً مساعدة لمصر، بينما وعدت أمريكا بمليارين أحدهما ضمانات قرضية وآخر مخصوم من الديون . يبدو مشروع (شراكة دوفيل) بمثابة نسخة ثانية لمشروع مارشال الذي تبنى خطة اقتصادية لمساعدة دول أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، كي لا تقع في أحضان المعسكر السوفييتي أو الاشتراكي آنذاك، بيد أن المشروع الجديد، وبما يحمل من ضبابية في جانبه السياسي، قد تم تحويره ليكون استراتيجية جديدة رامية في الأجل البعيد إلى الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أن هذه القروض الموعودة هي أموال مشروطة بالإصلاحات، وفق اسطوانة التحرك نحو زيادة التجارة والاستثمار وتحرير القطاع الخاص وتحسين تحصيل العوائد بتغييرات قانونية معينة، وحسب مايحدده البنك الدولي من قيود وشروط سبق لبعض الدول أن اعتبرتها شروطاً تعجيزية، أو هي تضع هذا البلد أو ذاك تحت رحمة سياسة هذا البنك التي تتماشى مع التوجه الغربي في هذا المضمار . لا شك في أن هذا المشروع الجديد القديم، يحمل في طياته أبعاداً سياسية، تذهب بعيداً في التقابل مع الحقوق العربية والفلسطينية، أو هي تتغافل عنها، مثلما حدث ذلك في البيان الختامي لقمة دوفيل، عندما لم يرد ذكر لقيام الدولة الفلسطينية، وإنما اكتفى البيان بالإشارة المقتضبة إلى المفاوضات كطريق لإحلال السلام، ولم يكن هذا الأمر مستغرباً من هكذا اجتماعات معروفة الدوافع والنيات، انطلاقاً من أن الأهداف السياسية في لقاءات كهذه تظل تتخفى وراء المزاعم الاقتصادية . واشنطن، ومن خلال بيان أصدره البيت الأبيض بهذا الشأن، أشادت بما تمخض عن مجموعة الثماني عبر مشروع (شراكة دوفيل) عندما أشار البيان إلى أن “شراكة دوفيل” تقوم على دعامتين، هما (عملية سياسية) تهدف إلى دعم التحول الديمقراطي وتعزيز إصلاحات الحكم، و(إطار اقتصادي) يهدف لدعم النمو المستدام والشامل ودعم دول الشراكة في مجال الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تلتزم بها . ويعتقد المحللون أن مثل هذه الشراكة لن تؤتي أكلها لأنها لم تقم على أسس موضوعية أو محايدة تسعى إلى تحقيق وتكريس استراتيجية مقبولة تعلي مفاهيم الحق الدولي والعدالة الدولية وإرجاع الحقوق إلى أهلها . وبالتالي يتساءل هؤلاء، ماذا عن الدول العربية التي عرفت تنمية ديمقراطية بعيدة عن ويلات التحولات وانطلاقاً من الميثاق السياسي؟ ألا تستحق هي أيضاً الدعم والإشادة؟ لماذا لا ينادي الغربيون بحقوق الفلسطينيين ويدينون “إسرائيل” مجتمعين؟ نقلا عن الخليج: