كتب سايمون ديستيل في صحيفة ذي غارديان البريطانية متسائلا عما إن كانت الولاياتالمتحدة ستنسحب حقا من العراق وأفغانستان؟ ويقول إن نقاشا حاميا يدور خلف الأبواب المغلقة في البيت الأبيض بشأن صواب فكرة الانسحاب من هذين البلدين. يقول الكاتب إن الجيوش المنسحبة تكون عادة أهدافا سهلة للعدو، كما حدث للجيش البريطاني عندما انسحب من كابل عام 1842 (الحرب الأفغانية البريطانية الأولى). يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما تحديا فريدا اليوم، فهو يفكر جديا في طريقة يسحب بها القوات الأميركية من العراق وأفغانستان بأقل الخسائر البشرية الممكنة، وبنفس الوقت يستغل الانسحاب لإرسال رسالة قوية، أما تجنب مرحلة من الفوضى تتبع الانسحاب الأميركي فإن تحقيق ذلك سوف يكون جائزة أوباما الكبرى. أوباما يواجه معضلة كلفة الحرب الباهظة في أفغانستان والبالغة ملياري دولار أسبوعيا أي 110 مليارات دولار سنويا، وهو ما لن يستطيع تحمل الالتزام به في حملته الانتخابية لعام 2012، كما أن البريطانيين -كما هو الحال مع الأميركيين- وصلوا إلى مرحلة الجزع من الخسائر البشرية المستمرة في صفوف قواتهما. يقول الكاتب أن أوباما لا يستطيع مقاومة فكرة اعتبار مقتل أسامة بن لادن بمثابة إنجاز لمعظم الأهداف التي شنت الولاياتالمتحدة بسببها الحرب على أفغانستان منذ عشر سنوات. ويستعرض الكاتب الموقف الأميركي ويقول إن واشنطن تجادل بأن زيادة القوات في جنوبي أفغانستان العام الماضي قد حققت أهدافها، ولكننا نعلم بأن ذلك ليس الحقيقة الكاملة. أما الكونغرس فهو منقسم بشأن تلك الزيادة التي كانت بواقع ثلاثين ألف جندي، فمنهم من يريد سحب نصفها مع نهاية هذا العام ومنهم من يريد سحب القوة بكاملها قبل التاريخ المحدد للانسحاب عام 2014. أوباما قال إنه سيعلن قراره في كلمة له في وقت لاحق من الشهر الجاري. يقول الكاتب إن المواجهة التي تدور رحاها في أروقة البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأميركية هي بين معسكرين، الأول لا يؤيد تقليصا للقوات ويرى أن ذلك سيؤثر سلبا على المعركة ضد طالبان والفصائل الأفغانية المسلحة الأخرى، ويمثل هذا المعسكر ديفد بترايوس ذو التأييد الواسع بعد نجاحه في العراق ويسانده في ذلك الرأي وزير الدفاع روبرت غيتس. من جهة أخرى، هناك معسكر معارض يمثله جوزيف بايدن -نائب الرئيس- الذي كان ضد فكرة زيادة القوات أصلا، ويدعمه في المطالبة بخفض القوات بشكل واسع والانسحاب في الموعد المحدد كل من توماس دونيلون -مستشار الأمن القومي- وليون بانيتا، وزير الدفاع الذي سيخلف غيتس. الولاياتالمتحدة لا تمتلك خطة لحماية الدبلوماسيين والموظفين بعد الانسحاب (الفرنسية) وتجدر الإشارة إلى وجود عوامل عديدة على أوباما أن يأخذها بنظر الاعتبار في قرار الانسحاب -يقول الكاتب- ويأتي في المقدمة قدرة حكومة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي على البقاء وحكم البلاد، والعامل الآخر الذي لا يقل أهمية عن الأول مدى استعداد القوات الأفغانية لتحمل المسؤولية، خاصة في ظل تقارير سلبية تقول إن تلك القوات قد نخر السوس أعمدتها نتيجة الفساد المستشري والهروب من الخدمة. ويستمر الكاتب في استعراض التحديات التي تواجه قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ويقول على الصعيد السياسي هناك مسألة إستراتيجية وهي الضمانات التي يمكن أن تطمئن الولاياتالمتحدة بأن طالبان سوف تستمر بالالتزام بمعاهدة السلام التي يطمح لها الأميركيون. هذا بالإضافة إلى السؤال الإستراتيجي، إذا انسحبت الولاياتالمتحدة من أفغانستان فكيف السبيل للتعامل مع الحركات المسلحة على الجانب الباكستاني؟ أما انقطاع المساعدات الأميركية في حالة الانسحاب، فسوف يكون له تأثير مدمر على الوضع الاقتصادي في أفغانستان. أما في العراق -الذي يوجد فيه 46 ألف عسكري أميركي من المقرر أن ينسحبوا في 31 ديسمبر/كانون الأول- فإن القادة العسكريين يقولون إن الانسحاب جنوبا نحو الكويت ينطوي على خطر كبير، حيث ستكون القوات المنسحبة هدفا سهلا للجماعات المسلحة، وفي هذا الوقت يتصاعد العنف في العراق مع اقتراب موعد الانسحاب. ويلفت الكاتب النظر إلى عدم وجود اتفاقية لحد الآن تؤمن إسكان وحماية 17 ألف دبلوماسي وموظف أميركي مدني سيبقون في العراق بعد انسحاب القوات الأميركية. وكما هو الحال مع كرزاي، فحكومة نوري المالكي في العراق ضعيفة ومتفككة ولا تتمتع بالشعبية، وتواجه تحديا متصاعدا من مقتدى الصدر المدفوع إيرانيا. كما أن المالكي ليس بمنأى عن فصل عراقي من فصول الربيع العربي، فمن المتوقع أن تعم العراق مظاهرات يوم الجمعة للاحتجاج على الفساد والظروف المعيشية والاقتصادية السيئة وانعدام الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء. هذا قد يدفعنا إلى عدم الاستغراب من دعوة بعض الساسة السنة والأكراد لتأجيل انسحاب القوات الأميركية والى أجل غير مسمى، أما الولاياتالمتحدة فتقول إنها مستعدة "لاحتضان" الفكرة. ويختم الكاتب مقاله بالإعراب عن اعتقاده بأن الأميركيين لن ينسحبوا في نهاية الأمر.