كلمات نازفة جاءت في تاريخ الطبري حول مجزرة قتل ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ والتي خطط لها ابن سبأ ونفذها مجموعة من قطاع الطرق والمفسدين والموتورين؛ الذين تسقطهم وجمعهم في رحلته بديار الإسلام!؟. وكان عبد الله بن سبأ يهودياً من أصل صنعاء، أمه سوداء؛ فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم. فأفسد النفوس، وشحنها للانقلاب، وقتل عثمان رضي الله عنه بالمدينة، والناس مشغولون في الحج، وكانت خطته لأتباعه (انهضوا في هذا الأمر؛ فحركوه، وابدأوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر). حتى تم لهم من التأليب ما أرادوه؛ حتى حاصروا منزل الخليفة أياماً، ومنعوا عنه الغذاء والماء، والاتصالات مع الخارج؛ ثم دخلوا عليه؛ (فضربه الغافقي بحديدة معه، وضرب المصحف برجله، فاستدار المصحف واستقر بين يديه، وسالت عليه الدماء. وأما عمرو بن الحمق؛ فوثب على صدره وبه رمق؛ فطعنه تسع طعنات؛ قال: فأما ثلاث منها؛ فإني طعنتهن إياه لله تعالى، وأما ست فلما كان في صدري عليه). [تاريخ الطبري مقتطفات بتصرف] هكذا تذكرت تلك اللقطات الدامية؛ ونحن نشاهد هذا التراشق والتناحر بين قوى الساسة وقوى الثوار، وبين قوى الثورة المضادة؛ خاصة أطياف النخب الثقافية التي حيرتنا بالجعجعة ليل نهار والتنادي بالديموقراطية، ثم بعد أن قطعنا خطوة غير مسبوقة على سلم الحرية؛ فإذا بهم يريدون الارتداد عليها؛ لأن نتائج الاستفتاء وما يتبعه وما ينتج عنه ستفرز تغيرات في الخريطة السياسية على عكس ما كانوا يهوون وما يحلمون وما يخططون؛ نتيجة لظهور قوى فاعلة على الساحة السياسية لم تكن في حسباتهم!؟. قتلة عثمان ... منهجية وشعار!: تلك هي منهجية قتلة عثمان؛ وهذا هو شعارها الخالد: (ثلاثة لله تعالى، وست لما في الصدر). فليست حادثة تاريخية انتهت، وطوتها ملفات التاريخ؛ بل هي مدرسة للتعامل مع الآخر، أو أسلوب ثابت لتدمير القوى والشعوب، وتحطيم المخالف. وهذه المدرسة قد تتمثل في صورة أشخاص أو مجموعات أو أحزاب أو قوى؛ وذلك حسب الظرف الزماني أو المكاني، والمناخ السائد. وهي ترتكز على بعض السمات أو العلامات التي تعرف بها وتميزها: 1-القيادة الخارجية: أي أن من يخطط لها ويحركها هم أعداء خارجيون؛ سواء كانوا أشخاص، أو دول، أو نظريات هدامة، أو ولاء لأفكار خارجية غريبة على تربة وطبيعة الأمة. وهنا لا نخجل أن نقول أن ابن سبأ وأمثاله هم رواد نظرية المؤامرة. ولا ننس أن قاتل الفاروق رضي الله عنه؛ كان مجوسياً؛ بل وسقوط الخلافة كان وراءه يهود الدونمة. 2-صانعو الخيام: ونقصد بهم كل عامل داخلي يهيء المناخ لتفعيل وتنشيط وانتشار خطط هذه المدرسة الخبيثة. فبهم تتم تطبيق نظرية المؤامرة؛ وقد يكونوا أشخاص ومواطنون أو تجمعات داخلية أو ظروف محلية أو عالمية؛ سواء بقصد أو بدون قصد وبحسن نية؛ حيث يعملون كالسوس الذي يدمر الحصون الداخلية!؟. لذا فإننا أولاً؛ نلوم أنفسنا أننا نهيء لهم مناخ الإفساد؛ كما تؤكده المراجعة القرآنية القاسية لمحنة أحد: "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ". [آل عمران165] 3-سلاح الأشاعة: عن طريق نشر أكاذيب في بؤر مختلفة ومناطق منوعة من البلاد؛ فتتلاقى أهدافها في النهاية، وتتجمع في بؤرة واحدة مميتة. 4-تحطيم الزعامات والقيادات: وذلك بصور تدميرية تشويهية لأي رمز يجتمع حوله الناس، ويكون مصدر أحلامهم وإلهامهم؛ وذلك بنشر أكاذيب أو مغالطات، أو تساقط أخطاء، وتتبع عورات. 5-النفاق: أي إظهار عكس ما يبطنون؛ فيقنعوا الناس بأن مرادهم هو الخير والإصلاح، وفي باطنهم يريدون الشر والهدم، ويكون تركيزهم على مشاريع قومية كبرى تثير الغبار الخادع الذي يخفي تحركهم. 6-تحطيم الثوابت: فبمرتكز النفاق؛ يستهدفون باطنياً ثوابت الأمم وعقائدهم ومبادئ وموروثات حضارية، وظاهرياً يرفعون شعارات الإصلاح والحرية والخير؛ سواء في صور نفاقية دينية أو فكرية أو سياسية؛ فتظهر عكس ما تهدف إليه. 7-تساقط الموتورين: فيكون العمود الفقري لكيان تجمعهم قائم على هذه النوعية الخبيثة؛ التي تفتح الحصون الداخلية المسوسة؛ فيسلمون مفاتيح البوابات لغزاتهم؛ الذين يأتون بحاويات ممتلئة بأفكارهم المستوردة في (حصان طروادة)؛ فيتسللون داخلة بنعومة ودون مقاومة؛ بل قد يستقبلون بالندوات والحفلات!؟. 8-اللعب على عواطف العامة: فيعلنون أنهم في صف العامة من الناس، وأنهم مع البسطاء، وأنهم ينافحون عن مطالبهم؛ لأن العامة وقودهم الذي به ينفذون خططهم. فيكون جل اهتماماتهم بالفقراء والبسطاء والدهماء؛ الذين يعانون من تجاهل النخب المخملية لمطالبهم؛ ويستخرجون منهم الموتورين والعاشقين للسلطة والجاه والزعامة!. 9-استهداف الفرص والمواسم: فالمناخ الذي يهوونه؛ هو أي موسم يشغل الناس ويلهي المجتمعات عن تحركاتهم، ويعميهم عن خططهم. وقد يثيروا أجواء (الفوضى الخلاقة)؛ التي غالباً ما تبرز كتداعيات للثورات والفورات الجماهيرية. 10-الأنانية: فيكون من أولويات أهدافهم غير المعلنة؛ هو المصلحة الذاتية أو الأحقاد الشخصية، أو تصفية الحسابات النفسية، والثارات الداخلية. فمهما تجمعوا معاً كما فعل رائدهم فرعون تحت شعار: "فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً. [طه64] فهذا التجمع الخبيث لا ينفي أن لكل شخصية وكل تجمع وكل حزب وكل فريق وفصيل؛ فله أغراضه الشخصية الذاتية؛ أي أن التجمع له أجندة خاصة؛ ولكل منهم أجندته الذاتية الفردية!. طعنات ... وأجندات: وعندما نتأمل شعارهم الجماعي والفردي: (ثلاثة لله تعالى، وست لما في الصدر)؛ وإن شئت قلت الأجندة الخاصة والفردية؛ فإننا لا نستغرب ولا نعجب أن نجد أن العصر والمناخ والظروف تختلف؛ وباختلافها تختلف طبيعة الطعنات وعددها!. فالطعنات قد تكون فكرية أو سياسية أو عقدية أو تعليمية أو تربوية أو منح وبعثات خارجية، أو تمويلات لأشخاص وأحزاب ومؤسسات مجتمعية مدنية!؟. والعدد يختلف أيضاً؛ فقد يكون أكثر من تسع، والثلاثة التي لله أو لمستقبل مصر قد تتحول إلى لا شيء؛ والست التي لما في الصدر قد تزيد لتكون كلها لما في الصدر!؟. قتلة عثمان ... استنساخ عصري!: لقد فوجئنا جميعاً بوجود نسخ ثورية عصرية من قتلة عثمان؛ فتنتشر في شارعنا السياسي الآن، وتتحرك بمنهجيتها التدميرية؛ فنكتشفها بسماتها، وبطعناتها العصرية وأعدادها التي تتكاثر حتى تكون مضاعفات للتسع؛ فنراها في الفضائيات و(المَكْلَمات الفضائية)، وبين أطياف القوى السياسية والائتلافات الثورية، وداخل الأحزاب التي تخرج كل علينا، ومن بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا!؟. 1-مفكرون وطعنات: لقد آلمنا أحدهم؛ الذي نظّر للزعيم الدكتاتور السابقين، ولاشتراكيته؛ بل ولنكسته؛ ثم نراه وقد تحول وانقلب على نظرياته؛ ليعيش الآن في قصور ومزارع تضاهي مزارع عائلات روكفلر!. ولكنه يعود بنسخة سبأية جديدة؛ وبنوع مستحدث من الطعنات الفكرية؛ فيطالب بنسخ التجربة الناصرية التي يعتبروها ملهمة؛ وذلك ببقاء الجيش كما هو لمدة عامين أو أكثر، ويخفي في صدره أنه يحمي ابنه!؟. 2-إعلاميون: وهم الذين يستخدمون كأبواق بالإيجار لأصحاب المليارات؛ فيأتون بطعنات إعلامية لتجربتنا الديموقراطية الوليدة ويشككون في نتيجة الاستفتاء، ويطالبون إما بتأجيل الانتخابات كما اتفقنا عليه كأغلبية، أو بأن يأتوا بالدستور أولاً!. 3-سياسيون: أما عن السياسيين؛ فقد انشقت الأرض عن مجموعة تراها صباحاً على فضائية لتحليل الأخبار، وبعد الظهر في ندوة، وفي المساء في ضيوفاً ثابتين رغم أنفنا على (التوك شو)؛ ليسددوا طعنات سياسية لمعانى الدستور ومعانى مواده، وشروحاتها الخاصة بهم!؟. 4-شيوخ: وهؤلاء كثيرون، ومهمتهم هي زعزعة ثوابتنا؛ بطعنات عقدية؛ مثل الخروج على الحاكم كفر. 5-كتبة: تستشف في كلماتهم؛ أنهم يخفون خناجر سامة؛ فيطعنون في ثورتنا وحصادها، وفي الثوار وتوجهاتهم. 6-ائتلافات: وهي التي تنبت في أرضنا بعد الثورة في كل لحظة؛ وبرموز لم نرها إلا بعد خلع المخلوع؛ وتكون طعناتها موجهة لسب كل من يخالفهم، ولإفساد كل مؤتمر، وتدمير كل توافق سياسي أو مجتمعي!؟. والخلاصة؛ أن القتلة عادوا بنسخ عصرية؛ توجه طعنات فكرية وسياسية وإعلامية؛ نستعشر أن كلها لما في صدورهم من ثارات وتوجهات وتصفية حسابات وأحقاد على ثوار، وحسد على ثورات!؟. د. حمدي شعيب خبير تربوي وعلاقات أسرية E-mail: [email protected]