"إغلاق دكان شحاتة" .. عنوان معبر وصف به الزميل الصحفي السوداني إبراهيم هباني، خروج منتخب مصر من تصفيات بطولة الأمم الأفريقية القادمة، ربما لأول مرة في تاريخه. أقول "ربما" لأنني ليس لدي معلومة دقيقة عن ذلك، لكن "إغلاق دكان شحاتة" منتخبا ومدربا ذائع الصيت في الست سنوات الأخيرة وحاصل على ثلاث بطولات قارية متتالية، في ظل صمت وهدوء وعدم اهتمام من شعب كان طعامه وشرابه "كرة القدم"، يعطي مدلولا سياسيا كبيرا لا يجب تركه يمر دون تحليل. بعد هزيمة 67 التي مرت ذكراها الرابعة والأربعين - وهي صدفة غريبة – في نفس يوم إغلاق دكان شحاتة، تم ايقاف نشاط كرة القدم، وظل متوقفا إلى أن أعيد في مرحلة السادات، فقد كان هناك شعور عارم بأنها كانت أحد الأسباب الرئيسية للهزيمة بانصراف "الدولة" إليها وعلى رأسها القائد العام للجيش المشير عبدالحكيم عامر، وتقديمها للشعب كمنوم مغناطيسي عن مشاكله وقضاياه الحقيقية وأخطاء وخلافات النظام ثنائي الرئاسة.. ناصر "الرئيس" وحكيم "الرئيس مكرر" أو العكس. في عهد مبارك، لم يتعامل النظام مع "الكرة" كمنوم أو أفيون فقط، وإنما اعتبرها المشروع القومي الأول، وقصة نجاح مبهرة للعائلة الحاكمة، وإذا عدنا للمباريات النهائية نجد الحضور الطاغي لتلك العائلة وعلى رأسها حسني مبارك، كأنها تنتظر لحظة الانتصار في حرب عسكرية تحررت فيها الأرض أو دفع فيها عدوان ورد على أعقابه، أو انجاز مشروع كبير كقناة السويس أو السد العالي. بل إن الانتهاء من بناء السد العالي لم يقابل بحفاوة رئاسية تشبه تلك التي كانت تقابل شحاتة ومنتخبه بعد كل بطولة. فقط رسالة وجهها الرئيس الراحل عبدالناصر إلى "وزير السد العالي" أيامها عندما كان لهذا المشروع وزيرا. لا أتذكر اسمه الآن وربما يكون "صدقي سليمان". وكانت للحق رسالة مليئة بالمعاني العظيمة بدأت بعبارة "إلى بناة السد العالي".. وهكذا عرف الشعب كله أن انجازا ضخما لا يقل عن الأهرامات الثلاثة تم تحقيقه في أسوان. في عهد مبارك صار "السد العالي" هو عصام الحضري، وصار حسن شحاتة كبيرا لبناة مصر الحديثة، وتقمص عمرو دياب شخصية مطرب العهد الناصري عبدالحليم حافظ الذى غنى "قلنا حنبني وبنينا السد العالي".. لكن دياب غنى "زي ما قال الريس.. المنتخب كويس"! كان من المضحكات المبكيات أن ترى مبارك وقرينته ونجليه في المقصورة الرئيسية، بوجوه تتغير مع ظروف المباراة، خصوصا في نهائيات أول بطولة حصل عليها شحاتة من القاهرة، حيث ظهرت السيدة الأولى ممسكة بعلم مصر وهي تتابع شحاتة ومنتخبه يسطرون التاريخ! إغلاق دكان شحاتة ليس هزيمة في كرة القدم وإنما إغلاق لدجل سياسي اتخذ الكرة شعاره، وفتح لها كل دكاكينه الفضائية للترويج لنهضة وهمية، وصرف عليها الأموال التي جعلت كل أب وأم يتمنيان أن يترك ابنهما التعليم ويصبح لاعبا يقبض الملايين، فيما تم تجاهل أي مشروعات علمية وأي تطوير حقيقي صناعي أو زراعي أو ثقافي. وبلغ الدجل ذروته عندما كاد نظام مبارك وحواريوه الإعلاميون يورطوننا في حرب مع دولتين شقيقتين هما الجزائر والسودان في العام الماضي بسبب "كرة القدم".. وهو أمر نزل بمشاعرنا كمصريين للحضيض، فقد كنا دائما الكبار سلوكا وقولا.. نرتفع فوق الصغائر، لكننا في تلك الأزمة أصبحنا "مسخرة" للساخرين، ومضحكة للضاحكين! هل فاق "الشعب" لدرجة أنه تعامل مع خروج مصر من التصفيات واستقالة جهاز حسن شحاتة، وكأنه يخص دولة أخرى؟! في رأيي الشخصي إنه نتاج ثورة 25 يناير. نعم ما زالت الكرة تستهوي الشعب، وهذا ليس عيبا، لكنها توضع الآن في إطارها الطبيعي كلعبة تنتهي بوقتها ولا تعني نتيجتها نهاية أمة أو صعودها، ولا يجب أن تسرقنا من أحلامنا في النهضة ووضع مصر في مكانها الذي تستحقه بين الأمم المتقدمة. البرازيل أفضل دول العالم في كرة القدم وأكثر شعوبها انتاجا لمواهبها.. لكنها لم تنشغل بها، فبنت بالتوازي أفضل الاقتصاديات البازغة في الوقت الحاضر.