سعى النظام السوري طوال أكثر من عقود أربعة من حكم آل أسد إلى ترسيخ شرعية خارجية لنظامهم وبيع هذه الشرعية للعرب وللسوريين كون النظام يدرك تماماً عمق أزمته الشرعية في الداخل، وهو القادم من خلال انقلاب عسكري في ظل الأب المؤسس حافظ أسد مفتقراً إلى شرعية، ومات بهذه الحسرة، فجاء الابن بشار الأسد مستمداً شرعيته ممن لا شرعية له وهو والده حافظ أسد، وابتدأ عهده بتزوير الدستور ليلائم سنه الخمس والثلاثين عاماً، بينما ينص الدستور على أن يكون عمر الرئيس أربعين عاماً. وواصل النظام السوري في عهد الابن بيع الشعب السوري حرية الآخر، والنضال من أجل الآخر، والدفاع عن الآخر، أما حرية السوري فلا مكان لها في قاموس نظام آل أسد، هذا الأمر عكسته بكل وضوح تصريحات رئيس النظام بشار الأسد في مقابلته مع ال "وول ستريت جورنال" قبل أسابيع من الانتفاضة الشعبية السورية، حين برر استبعاده زحف الثورة على سورية من تونس ومصر بالتقارب بين سياسة النظام الخارجية مع الشعب، لكن بشار ظل صائماً كعادة النظام الأسدي عن الملف الداخلي، وما يحتاجه الشعب السوري من كرامة وعزة مفقودة لعقود. يدرك النظام تمام الإدراك أن شرعية أي نظام لا بد أن تكون قادمة من شرعية دستورية وهي مستحيلة في حاله، أو شرعية شعبية بحيث يكون الشعب قد انتخبه، ودونه خرط القتاد، في ظل نظام امتهن سياسة الاستفتاء وبتسعاتٍ خمس، أو بشرعية ثورية وهو ما لا يحلم به، ففضل شرعية زائفة وهي دعم المقاومة والممانعة. تلك الأحجية التي انهارت عند أول منعطف بسيط لها حين بدأ ضيوف النظام السوري المطلين على الفضائيات العربية ملمحين ومصرحين بمقايضة الوضع الداخلي بما دأب على وصفه بالالتزامات القومية والوطنية التي طالما اعتاش عليها زوراً وبهتاناً، وتوّج ذلك كله عقل النظام الاقتصادي رامي مخلوف الذي يملك بحسب صحيفتي ال "اندبندنت" وال "وول ستريت جورنال" ستين بالمائة من الاقتصاد السوري، توج ذلك بتصريحه ل "نيويورك تايمز" بالقول: إن استقرار اسرائيل مرهون باستقرار سورية، ويقصد هنا بالطبع استقرار النظام السوري، والدليل طبعا استقرار جبهة الجولان لعقود بسبب حراسة النظام لها ومنعه أي طير يطير فوقها أو وحش يعبر منها، بينما تم خرق كل الحدود العربية ممن وقعت اتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني، ولم يفت مخلوف أن يشير إلى الشرعية الداخلية حين قال إننا سنقاتل حتى النهاية، وبالتأكيد سيقاتل ضد شعبه، على طريقة سيف الإسلام القذافي وخميسه .. وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم كرر على التلفاز السوري نفس التعويذة رداً على عقوبات الاتحاد الأوربي المفروضة على النظام السوري بشار الأسد، قائلاً: "لدينا أوراق في العراق وفلسطين ولبنان" هنا يتحدث الوزير عن عملية بيع وشراء، وتجارة ومقايضة، والسلعة الشعب السوري الذي امتهن النظام منذ عقود مقايضته، في حين لم ينبس الوزير ببنت شفه عن مطالب المحتجين الذين ضحوا بأنفسهم وامتهنت كرامتهم وعزتهم على أيدي رجال الأمن السوريين في شوارع المدن والأرياف السورية، والسؤال الموجه للنظام: هل بشعارات الممانعة يعيش ويحيا السوري؟ وهل تحرير فلسطين _وهم أبعد الأنظمة عنها_ لا يكون إلا بامتهان الكرامة السورية وأن يعيش الفرد في ظل دولة مخابراتية بامتياز تحتوي على أكثر من 17 جهاز مخابرات، وعليها أن تدخل كتاب جينيس لهذا العدد من الأجهزة؟!! المعروف طبقا لعلم السياسة والعلاقات الدولية أن الدول عادة ما تبني سياستها الخارجية وفقاً لظروفها واحتياجاتها الداخلية والشعبية، أما في الحالة السورية فالعكس صحيح، فالنظام أسس لسياسة خارجية وسعى إلى تطبيقها على الداخل وإن كانت في بعض الأحيان معارضة لاحتياجاته كما هو الحال في دعم حكومة احتلال بالعراق أو بدعم حزب الله في لبنان، حيث لا يتفق مع وجهة أغلبية السوريين، أو من خلال دعم إيران في مواقفها تجاه الخليج والعراق وسياسة تشييع إيرانية في المنطقة وهو ما تخالفه الأغلبية الغالبة للشعب السوري. اليوم باعتقادي أن المأزوم أخلاقياً ليس النظام السوري فقط، وإنما الحركات الإسلامية والوطنية الصامتة على هذا النظام الذي يعيث فساداً في أهلنا وشعبنا، بينما كان على هذه الحركات أن تقف مع الشعب السوري ومطالبه المحقة تماماً كما وقفت إلى جانب الشعب التونسي والمصري والليبي واليمني. فالشعب السوري جدير بالحرية والعزة والكرامة كأشقائه وأترابه، وهذه الحركات التي تتحدث عن الحرية والكرامة والعزة لها، تصمت على كرامة وعزة الآخرين، لا تستطيع أن تُجزِّئ هذه الحرية والكرامة، وإلا فإنها ستُصاب بالشيزوفرينا، وبالتناقض، وستضرب مشروعها التحرري التي قامت عليه، وستخسر الشعب السوري كله، وأؤكد على كله، فربط مصالحها مع النظام السوري وكأنه هو الذي يكبح الشعب السوري من الانزلاق عن الممانعة والمقاومة، احتقار للشعب السوري كله، ويظهر وكأن الشعب السوري هو الخائن وهو العميل وهو الرافض ل " الممانعة والمقاومة" الشعار الزائف الذي يرفعه النظام، وأن النظام هو الحامي لهذه الشعارات والسياسة، وذاك كذب فاضح وتزوير للحقائق فسورية مقاومة وممانعة ليس من الآن، والدليل على ذلك مشاركة البطل عز الدين القسام في فلسطين، ومشاركة الإسلاميين والوطنيين في حرب فلسطين، وهذا النظام رفع شعارات ليس أكثر وكلنا يعرف ما فعل بالمقاومة الفلسطينية في تل الزعتر والكرنتينا والبداوي، وما يفعل بأحرار فلسطين في معتقل يحمل اسم فلسطين "فرع فلسطين" وهو عار على فلسطين أن يتسمى هذا الفرع والسجن باسمها.. المطلوب من الحركات الإسلامية والوطنية دون تحديد أسمائها أن تكون عند مسؤولياتها الأخلاقية والتاريخية، وقبل ذلك الإسلامية الشرعية، فالكل سيُسأل في الدنيا والآخرة عن موقفه إزاء شلال الدم والاعتقال والخطف الذي يمارسه النظام، وعليها تحديد موقفها، ولا تظن إذا سكت الشارع السوري عن اصطفافها مع النظام، فهذا يمنحها حق التمادي، فالاصطفاف له أشكال وأنواع ليس أقله الصمت على جرائم النظام السوري، والساكت عن الحق شيطان أخرس، وعدم الوقوف مع الحق وقوف مع الباطل..