ليس هناك أدنى شك أن الثورات العربية وما أسفرت عنه من حصول العرب على نعمة الحرية يعتبر أمرا مزعجا ومربكا للحلف الصهيوأمريكي.. وأن هذا الحلف لن يهدأ له بال حتى يسرق هذه الثورات أو يجهضها. فالوضع العربي قبل ربيع الثورات كان هو الوضع الأمثل، حيث يتحكم الطغاة في شعوبهم ويقهرونهم.. ويَخضعون في الوقت نفسه لمن لا يريدون لنا الخير. ويعلم قادة هذا الحلف المعادي أن الانتخابات الحرة التي قامت من أجلها الثورات العربية تعني وصول قادة شرفاء للحكم، أو على الأقل قادة يحترمون رغبات شعوبهم؛ فلا يخضعون للضغوط ولا للابتزاز الغربي، وتتعرقل بالتالي سياسات الهيمنة وسرقة الموارد، والدعم غير المحدود للعدو الصهيوني. وقد أسرعت بعض الدول الغربية، وآخرها مجموعة الثمانية- التي لا تفي أصلا بوعودها- بالقفز إلى الدول الثائرة وعرض المساعدات بالأساليب الثعبانية إياها لمحاولة السيطرة على الأنظمة الجديدة وتوجيه الدفة إلى الاتجاهات التي لا تخدم المصالح الوطنية، بل تخدم بوضوح المصالح الغربية. وأخطر ما في الأمر- كما سوف نوضح- أنهم وجدوا من يستجيب لهم، ويتعاون معهم، ولا ينتفض ويغضب لشروطهم.. وتلك هي الطامة الكبرى. وقد أزعجنا احتفال بعض وسائل الإعلام المصرية بالبيان المخادع للسفارة الأمريكية الذي جاء فيه (تقدم الولاياتالمتحدة الدعم للمنظمات المصرية والأمريكية التي تعمل على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحرية السياسية، وبناء عملية انتخابية حرة ونزيهة، وتطوير العمل المهني لوسائل الإعلام وتطوير الأحزاب السياسية، وزيادة مشاركة الشباب والنساء، وسنعمل على التحقق من أن جزءا كبيرا من مساعداتنا سيدعم مباشرة جهود منظمات المجتمع المدني المصرية لتعزيز الإصلاح السياسي والاقتصادي، وتوسيع الوعي المدني، وتعزيز شفافية الحكومة).... هكذا لله، دون مقابل؟!، وكأن الحدأة باتت تلقي بالكتاكيت للمزارعين. ولا يختلف اثنان على أن الولاياتالمتحدة لها خططها الخاصة بمصالحها ومصالح حلفائها، وأن ما تقدمه لأمثالنا (مثل المعونة الأمريكية وغيرها) مجرد طُُعم للوصول إلى أهدافها. ولا ندري وقد خلعت الثورة أكبر عميل لواشنطن وتل أبيب، لا ندري من الذي سمح لهم بالعبث في جبهتنا الداخلية مستخدمين الأموال تحت مسمى الدعم، والهدف النهائي هو إحداث الفتنة وضرب الاستقرار في مصر. ونذكر هنا جلسة لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي في 13 أبريل 2011 حول الانتخابات المصرية القادمة والحكومة التي قد تنشأ عنها، والتي استمعت فيها إلى توصيات روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي أوصى الإدارة الأمريكية بأن تقوم مواقفها العلنية على تحذير المصريين من أنها ستقبل فقط التعامل مع حكومة "لها مواصفات معينة"، من أهمها: السلام مع الكيان الصهيوني، والاعتراف بتقسيم السودان (!!)، والشراكة الثنائية مع الولاياتالمتحدة (أي مع العدو الصهيوني بالطبع) في الشرق العربي وأفريقيا والبحر المتوسط.. كما حث واشنطن على ممارسة الضغط على المجلس العسكري الحاكم في مصر لثنيه عن تمرير قوانين انتخابية قد تسمح بوصول الإسلاميين إلى حكم البلاد. هل إلى هذا الحد، وبعد ثورة عظيمة، نقبل أن تحدد لنا واشنطن أو غيرها مواصفات حكومتنا، التي من المفروض أن ننتخبها نحن بحريتنا؟!. وتتجلى خطورة الأمر في التناغم الذي حدث بين فئة من الذين يشعرون أن الثورة لا تتفق مع مصالحهم، وبين من يجب أن نسميهم أعداء الخارج.. إذ سارع كل من يعلمون أنهم لا رصيد لهم في الشارع المصري، وأن الانتخابات الحرة سوف تحرجهم وتظهر حجمهم الحقيقي، سارعوا إلى الاستجابة لهذه الخطط الجهنمية بترديد حجج فارغة، فيها من اللف والدوران ما فيها، لأنهم لا يجرؤون على الصدق.. فنجد مطالبات بإطالة الفترة الانتقالية، وهذا يوفر فرصة كافية للقوى الخارجية لكى تجد لها موطئ قدم في الساحة المصرية يمكنها من التأثير على الوضع الداخلي والتحكم في المستقبل المنشود، إذ لم يعد سرا أن تلك القوى وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية (والكيان الصهيوني) قد فوجئت بالثورات العربية ونجاحها في إزاحة عملاء الحلف الصهيوأمريكي، فلجأت إلى الأساليب الثعبانية الماكرة تحت مظلة المساعدات، وكأنهم سعداء بما حدث ويريدون مساعدتنا بالفعل!. ولم يقتصر الأمر على واشنطن التي كانت متربعة بمفردها على أغلب الساحة العربية، فدخلت فرنسا على الخط بالأساليب نفسها، ليس فقط في ساحتها المعهودة تونس، ولكن أيضا في مصر.. ومعروف أن فرنسا تحاول التدخل في الشؤون العربية نيابة عن العدو الصهيوني!. فقد نشر الكاتب فهمي هويدي خفايا دعوة وجهتها الخارجية الفرنسية إلى ستة من شباب التجمعات السياسية المصرية لحضور ندوة في باريس 14 و15 أبريل الماضي. وكان من بين الشباب اثنان أحدهما يمثل الإخوان المسلمين والثاني يمثل حزب الوسط. وقبل الندوة تمت دعوة ثلاثة من الشبان من جانب حزب الرئيس ساركوزي، فكان ممثل حزب الوسط أحد الثلاثة في حين استبعد ممثل الإخوان. وخلال الجولة الحزبية التقى الشبان الثلاثة قيادات الحزب الفرنسي الحاكم، وتطرق الحديث إلى استعداد الحكومة الفرنسية لتقديم مختلف صور الدعم للقوى السياسية المصرية التي ظهرت أثناء الثورة. وعبر كل من سكرتيرة ساركوزي وأمين عام الحزب عن رغبة فرنسا في التعاون مع الأطراف التي تتبنى عددا من القضايا الأساسية هي: علمانية الدولة المصرية، وتأييد معاهدة كامب ديفيد، والدفاع عن السلام مع العدو الصهيوني، ومعارضة حركة حماس، والدفاع عن الرئيس المخلوع حسنى مبارك ورفض تقديمه إلى المحاكمة، والاصطفاف إلى جانب التيارات السياسية التي تعادي الإخوان المسلمين لإضعاف حضورها في المستقبل السياسي لمصر.. هكذا بكل وضوح ودون مواربة!. ألا يعد هذا تدخلا مرفوضا في شئوننا الداخلية؟، ألا يجهض هذا التدخل الفاحش كل مكتسبات الثورة؟، لِمَ هذا الصمت على أمور خطيرة يمكن أن تحول مصر إلى عراق آخر أو جزائر أخرى؟!. مطلوب وقفة سريعة لرفض المساعدات المشروطة ومنع التدخل في شئوننا الداخلية، ومطلوب قطع الصلة بين الحلف الصهيوأمريكي وعملاء الداخل الساعون للحصول على هذه المساعدات للاستعانة بها وبمن يمنحونها للقفز على السلطة وسرقة الثورة، وينبغي تجريم قبول المساعدات الخارجية من جانب المنظمات والأفراد. مطلوب مليونية سريعة لرفض التدخل الأجنبي. همسة: • وزير حالي من بقايا النظام المخلوع كان ضمن المكلفين من لجنة سياسات الحزب المنحل بإعداد خطة السطو على النقابات المهنية والاستيلاء عليها.. لم (يهدّه) حل الحزب وإلغاء خططه الطغيانية، وتبين أنه لا زال يتآمر على نقابته التي ينتمي إليها، ولا ندري هل هذا جزء من الثورة المضادة، أم أنه انتقام شخصي بسبب سقوطه في آخر انتخابات لهذه النقابة!. [email protected] http://abdallahhelal.blogspot.com