توسّعت الاشتباكات في العاصمة اليمنية صنعاء، بين قوات الجيش ورجال القبائل التابعين للشيخ صادق عبدالله بن حسين الأحمر، ممتدّة إلى أحياء أخرى ومناطق قبلية غيْر بعيدة عن المدينة صنعاء، ما قد يجر البلاد إلى هاوية الحرب الأهلية، التي يسعى شباب الثورة إلى تجنّبها ما أمكن . وعلى مدار ثلاثة أيام متتالية، تواصلت المواجهات داخل العاصمة اليمنية، لتتحوّل التحذيرات من الانزلاق إلى حرب أهلية إلى واقع مُقلق دفع بمن استطاع من السكان إلى الهرب بأنفسهم بعيداً عن رحى الحرب الدائرة في أحياء المدينة وحولها من المناطق، التي انخرطت فيها القبائل في المواجهات . وكانت الثورة الشبابية اليمنية، التي بدأت مطلع شهر فبراير الماضي، مثّلت بارقة أمل لإحداث تحوّلات سياسية جوهرية بطريقة سِلمية، إلا أن شبح الحرب الأهلية سُرعان ما خيّم على أجواء تلك الثورة السِّلمية، بعد انضمام قيادات عسكرية وزعماء قبليين إليها. ومنذ ذلك الحين، هيمنت مخاوف الانزِلاق إلى مواجهات مسلّحة على آمال الثورة السلمية إلى حدٍّ كبير، خاصة في بلد ينتشر فيه في السّلاح بين السكان على نطاق واسع، وظلّت الخِشية من المواجهات المسلحة، جاثمة على صدور اليمنيين، على الرغم من التأكيد الدائم والمُستمر لكل المُنخرطين في الثورة، بما فيهم القيادات العسكرية المنشقّة عن الرئيس صالح والزعامات القبلية المحلية، التي أعلنت انضمامها للثوار على المنحى السِّلمي للثورة. وقد تأكّد ذلك بتَرْك أسلحتهم في مُستودعاتها وفي المنازل، والانخراط لأول مرة في احتجاجات مدنية تُطالب برحيل النظام بغيْر لغة السلاح، التي اعتاد اليمنيون على استخدامها في مثل هذه الحالات، مُردِّدين لغة جديدة في ساحات وميادين الاحتجاجات، لسان حالها "الشعب يريد إسقاط النظام"، إلا أن هذا النظام بدا مُصرّاً على عدم السقوط، إلى الحدّ الذي دفعه غيْر ما مرة إلى التّلويح بالحرب إلى الحدّ الذي جعل منها شبحاً مُهيمناً على أجواء الثورة، خاصة أن النموذجيْن، الليبي والسوري في مواجهة المطالب الشعبية، ظلا حاضرين في مشهد التغيّر العربي، الذي لاح في الأفُق بعد الثورتيْن التونسية والمصرية، الأمر الذي أثّر على زخم الثورة اليمنية شيئاً فشيئاً وفتح الباب للبحث عن حلول سياسية . من ثورة سلمية إلى مواجهات مسلحة ويذهب المراقبون والمتابعون للشأن اليمني، إلى أن انضِمام قادة عسكريون وزعماء قبائل ورجال دين تربطهم صلات قَرابة أو مصالح بالرئيس اليمني وعُرفوا في الماضي بولائهم الشديد له، أمثال "علي محسن الأحمر وأنجال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ عبد المجيد الزنداني"، رفع التكهنات بتحوّلها من ثورة سِلمية إلى مواجهات مسلّحة، نتيجة لِما ترتّب عليها من حضور للبُعد القبلي والشخصي، وغلَّبته على القضايا المطلبية التي يرفعها شباب الثورة وخرجوا من أجلها. وحسب أولئك المراقبين، فإن ساحات وميادين الاحتجاجات الشعبية التي عاشت على حلم التغيير السِّلمي، ظلّت محاطة بمخاوف انحِراف الثورة عن مسارها السِّلمي، حتى اندلاع المواجهات مع أنجال الشيخ الأحمر التي وجد فيها صالح مبرِّرات كافية لحرف الثورة عن مسارها، بتصويره المواجهات معهم بأنها مواجهة السلطات العامة للخارجين عنها . تضارب الروايات وتتضارب الرِّوايات حول من بدأ بإشعال فتيل المواجهات المسلحة. فمكتب الشيخ الأحمر أرجعها إلى استحداث نِقاط ومواقع عسكرية وأمنية قُرب منزله في محاولة من الرئيس صالح للهجوم عليه، فيما الرواية الرسمية ترجعها إلى مهاجمة مواقع حكومية من قِبل مسلَّحين قَبَليين تابعين للشيخ الأحمر، ويصوِّرونها على أنها أعمال ضد النظام العام. وفي كل الأحوال، ثمة من يعتبِرها تكتيكاً من تكتيكات الرئيس صالح، التي اعتاد على اتِّباعها في إدارته للبلاد منذ تولِّيه الحُكم ويرون أنه، بغضِّ النظر عمَّن بدأ بإشعال فتيلها، لأنها في نهاية المطاف تصُب في خِدمة أهداف صالح، وهو ضرب الثورة الشعبية التي تُعَدّ أبرز تحدٍّ يُواجهه نظام حُكمه منذ 33 عاماً، لأن حصر مواجهاته بآل الأحمر، يوجّه ضربة قوية للثورة الشبابية المطالبة برحيله، على أكثر من مستوى: الأول، يوجِّه ضربة قوية لأهم الدّاعمين لها، إذ أن المعلومات الشائعة وسط الأجهزة الأمنية تُشير إلى أنه لولا الدّعم المالي والإعلامي الذي يقدِّمه آل الأحمر للثوار، لمَا صَمدت ثورتهم طِوال مدة قاربت أربعة أشهر. والثاني، أن حصر المواجهات معهم يُمكنه من تقديم أحد فاعلي ومكوّنات الثورة كجماعة خارجة عن النظام والقانون ويصوِّرها بأنها تتحدّى سلطان الدولة، فيما شباب الثورة يتطلَّع إلى دولة مدنية حديثة، تُلغى فيها كافة الامتيازات ويتساوى أمامها جميع المواطنين، الأمر الذي سيشكِّل مدخلا لخلخلة تماسك المطالبين برحيل النظام. الثالث، هو جَرّ القائد العسكري المُنشقّ عنه والذي تربطه به صِلة قرابة، إلى حلبة المواجهة ليقدم بذلك مُبرراً كافياً بأن الأمر لا يعدو سوى تمرّد عسكري لقائد مُنشَق، إلا أن هذا الأخير لم ينجر إلى المواجهة العسكرية، على الرغم من الاستفزازات التي تعرّضت لها قواته، حفاظاً منه على الصورة التي قدّم بها نفسه عند إعلانه الانضمام لثوار التغيير. علاوة على كل ذلك، يرى البعض في تفجير الحرب وتحديد أهدافها في أنجال الأحمر، مجرّد انتقام شخصي من قِبل الرئيس صالح، موجه جرعوه مَرارة الانقلاب عليه، بعد أن ذاقوا منه على مدار عقود طويلة، حلاوة تحالفهم معه وأنه جاء إلى تصفيات حساباته معهم قبل الرحيل المنتظر . الحرب.. رياضة مفضّلة عموماً، يبدو أن التوسُّع في المعارك في يومها الثالث وشدّة ضراوتها، كما بدا من خلال استخدام كافة الأسلحة الثقيلة، لم يعُد يترك مجالاً لقراءة تلك الخلفيات وحدها، بل يستوجب النظر إلى حدود حركة وتوسُّع تلك الحرب في بلد يعيش فيه نصف السكان بأقل من دولارين في اليوم ويفتقر لأي اقتصاد منتج. ومثل تلك الحروب، تؤدّي عادة إلى انتعاش اقتصاد الحرب وأمَرائها، فيما عموم الناس هم الذين سيكتَوُون بلَظاها التي بدأت في أحد أحياء العاصمة، ثم أخذت ألسِنتها تتمدّد لتعُمّ المدر والحضر، مستدعية إليها كل عوامل التوسع والانتشار، من السياسي إلى القبلي فالديني فالجهوي والمناطقي، في بلد تبقى فيه الحرب عِبارة عن رياضة مفضَّلة لكثير ممَّن احترفوها واختاروها النشاط الاقتصادي والمعاشي المفضل لهم . الخلاصة، أن الثورة الشبابية اليمنية الطامحة إلى التغيير السِّلمي، في طريقها إلى أن تتحوّل عن مسارها ذاك ربَّما برغبات محلية ومشاركة إقليمية وتواطؤ دولي، ما لم تتدارك كل تلك الأطراف الموقِف وتتحلّى بمسؤوليتها في احتوائه، فإنها ما لم تتحمل المسؤولية عن تبعات الانحراف بالثورة عن أهدافها الحقيقية، خاصة أن تلك الأطراف كانت قد تدخلت منذ البداية للبحث عن مخرج آمن لانتقال السلطة في اليمن . المصدر: سويس انفو