حاول الرئيس أوباما أن يمهد في خطابه عن ربيع الديمقراطية العربية لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع العالم العربي لكنه لم يُفلح في إقناع معظم الأطراف المعنية والجمهور العريض. وأكد أوباما أنه بعد عقود من استناد الإستراتيجية الأمريكية إلى بقاء الواقع في العالم العربي كما هو عليه مقابل تأمين المصالح الأمريكية، سنحت الفرصة من خلال الربيع العربي إلى تغيير هذه الإستراتيجية من خلال سعي الولاياتالمتحدة لمساعدة الشعوب العربية في أن تصبح بلادها كما ينبغي أن تكون. كما نوه أوباما إلى أن الإخفاق في الإستجابة الأمريكية لمساندة طموحات المواطن العربي لن تسفر إلا عن زيادة الشكوك التي ترسخت عبر عقود بأن الولاياتالمتحدة تسعى لتحقيق مصالحها القومية على حساب الشعوب العربية. وأوضح الرئيس الأمريكي أنه لو فشلت الولاياتالمتحدة في تغيير هذا الأسلوب فستخاطر بتعميق الفجوة القائمة بين الولاياتالمتحدة والشعوب العربية. لذلك أكد على أن الأولوية القصوى الآن هي دعم الولاياتالمتحدة لجهود الإصلاح ومساندة التحول الديمقراطي في العالم العربي. وبعد أن انتهى الرئيس أوباما من شرح سياسات الولاياتالمتحدةالجديدة إزاء رياح التغيير التي هبت على العالم العربي وما تقتضيه من ضرورة التحرك في عملية السلام المتعثرة استطلعت swissinfo.ch آراء عدد من الخبراء في مضمون الخطاب ومدى نجاحه في الإستجابة لتطلعات شعوب المنطقة. إخفاق في استمالة الشعب العربي يرى السفير فيليب ويلكوكس رئيس مؤسسة السلام في الشرق الأوسط أن الرئيس أوباما "نجح في إظهار التزام أمريكي جديد بمساندة التحول الديمقراطي في الدول العربية والتعهد بمساندة الولاياتالمتحدة لتطلعات الشعوب العربية نحو الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان"، كما أظهر الرئيس أوباما مساندته القوية لمساعدة مصر وتونس في نجاح مساعيهما للتحول نحو الديمقراطية بحيث تصبح الدولتان نموذجاً تحتذيه شعوب المنطقة. وفي نفس الوقت وجه أوباما تحذيراً واضحاً للرئيس السوري بشار الأسد بأن عليه قيادة التحول نحو الديمقراطية أو الإبتعاد عن الطريق، وطالب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بالوفاء بتعهده بنقل السلطة احتراماً لرغبة ومطالب الشعب اليمني، بل وطالب حكومة البحرين ذات العلاقات الوثيقة مع واشنطن باحترام حقوق مواطنيها والدخول في حوار مع المعارضة بدلاً من إلقاء المحتجين في غياهب السجون. غير أن السفير ويلكوكس يرى أن الرئيس أوباما أخفق في استمالة الشعوب العربية إلى مد يدها لفتح تلك الصفحة الجديدة في العلاقات مع الولاياتالمتحدة عندما تحدث عن مستقبل عملية السلام وقال: "سيشعر العرب بأن أوباما أهدر فرصة تاريخية بعدم طرحه مبادرة سلام أمريكية توضح معالم التوصل بسرعة إلى تسوية سلمية على أساس حل الدولتين خاصة وأنه يدرك أن انفتاح المجتمعات العربية بعد رياح التغيير سيولد موجات متنامية من الإنتقاد العلني والصريح للممارسات الإسرائيلية، كما سيشجع ذلك الفلسطينيين على التصدي بجسارة أكبر لاستمرار الوضع على ما هو عليه". وأضاف ويلكوكس أنه "إذا واصلت إدارة أوباما انتظار ما يمكن أن يأتي به المستقبل لتمارس دورا قياديا في عملية السلام فسترتكب بذلك خطأ استراتيجيا كبيرا، فقد آن الأوان لتطرح واشنطن خطة سلام واضحة المعالم يتفاوض الطرفان على أساسها للتوصل بسرعة إلى حل الدولتين". وقال ويلكوكس، لقد كان نتنياهو أسرع في توجيه ضربة لخطاب أوباما عندما رد على دعوته بأن تكون حدود 67 أساسا للتفاوض بأن على الولاياتالمتحدة أن تؤكد التزامها بالضمانات التي قدمها الرئيس السابق جورج بوش بأن إسرائيل ليست مضطرة إلى الإنسحاب إلى حدود عام 67 على أساس أنها غير قابلة للدفاع عنها، كما أن نتنياهو لازال مُصراً على الإحتفاظ بالقدس عاصمة موحدة في دولة إسرائيل مما يوضح ضرورة أن يطرح أوباما مبادرة سلام تحدد التنازلات اللازمة لتحقيق حل الدولتين. خوف أوباما على فترة ثانية وفي معرض شرحه لمبررات تردد أوباما في طرح مبادرة من هذا القبيل، قال السفير ويلكوكس: "من الواضح أن البيت الأبيض لازال يعتقد بأن اتخاذ الإدارة موقفا حاسما وجسورا فيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط سيخلق أجواء من الإحتكاك مع إسرائيل وأنصارها في الكونغرس وفي أوساط الناخبين الأمريكيين مما قد يؤثر سلباً على فرص إعادة انتخاب أوباما لفترة رئاسية ثانية، لذلك فضل الرئيس تأجيل طرح رؤيته لكيفية تطبيق حل الدولتين إلى ما بعد انتخابات نوفمبر 2012". وخلص السفير ويلكوكس إلى أنه كان من الملفت للنظر أن يتحدث الرئيس أوباما عن ضرورة المساندة الأمريكية لطموحات الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية ويستثني الشعب الفلسطيني من قائمة الشعوب التي يجب على واشنطن أن تساندها. في المقابل، يرى الدكتور رضوان مصمودي، رئيس مركز دراسات الديمقراطية والإسلام في واشنطن، أن مضمون خطاب أوباما نجح بشكل عام في تقديم بديل جديد لسياسة أمريكية محبطة درجت على مساندة أنظمة حكم عربية سلطوية للحفاظ على المصالح الأمريكية على حساب الشعوب العربية، وأن الرئيس أوباما شدد على أن الأولوية القصوى في السياسة الأمريكيةالجديدة هي مساندة التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي ومساعدة الدول التي بدأت عملية التحول الديمقراطي مثل مصر وتونس. وأضاف الدكتور مصمودي أنه إذا تم تنفيذ هذه السياسة بالفعل فسيكون هذا الخطاب تاريخياً وسيشكل نقطة تحول حقيقية في العلاقات بين العالم العربي والولاياتالمتحدة، وقال: "لقد أرسل الرئيس أوباما رسالة مساندة قوية لكل الشعوب العربية التي تتطلع وتسعى إلى الحرية والديمقراطية مثل ليبيا واليمن وسوريا والبحرين، وأظهر الرئيس أوباما بذكره للبحرين أن مساندة الولاياتالمتحدة للتحول الديمقراطي لا تقتصر على الدول غير الصديقة لواشنطن وإنما تشمل الدول التي ترتبط بعلاقات إستراتيجية وثيقة مع الولاياتالمتحدة كالبحرين". ويرى الدكتور مصمودي أن الرئيس أوباما أوضح في خطابه رغبة حقيقية للولايات المتحدة في نجاح التحول الديمقراطي في مصر وتونس ومواجهة التحديات التي تواجهها الدولتان على أمل أن تصبح مصر وتونس نموذجين ناجحين تقتدي بهما دول المنطقة. وفيما يتعلق بسوريا، أكد الدكتور مصمودي أن أوباما أرسل رسالة بالغة القوة إلى الرئيس بشار الأسد حينما خيره بين قيادة التحول الديمقراطي في سوريا أو الابتعاد عن الطريق، غير أنه يعتقد أن ما أضعف من مضمون الخطاب الذي استهدف أساسا شرح السياسة الأمريكيةالجديدة إزاء التغيرات المتلاحقة التي يحدثها ربيع الديمقراطية في العالم العربي التطرق للحديث عن عملية السلام دون طرح مبادرة سلام أمريكية توفر سرعة تطبيق حل الدولتين تماشيا مع تلك التغيرات، لذلك يرى مصمودي أنه كان من الخطأ الحديث عن خطوط عامة لأسس التفاوض في وقت تعثرت فيه المفاوضات لنفس السبب الذي أفشل كل الجهود السابقة وهو الخلل في توازن القوى بين طرف مدجج بكل مقومات القوة وطرف ضعيف تخضع أراضيه للاحتلال وفصائله للإنقسام فيما يواصل نتنياهو رفض تقديم أي تنازلات وتواصل حركة حماس رفضها الاعتراف بدولة إسرائيل. ترحيب من أنصار السلام السيد أوري نير، المدير التنفيذي لمنظمة "أمريكيون من أجل السلام الآن" يختلف مع تحليل الدكتور مصمودي ويرى أن الرئيس أوباما كان موفقا في أن يقرن حديثه عن السياسة الأمريكية إزاء ربيع الديمقراطية العربية ببيان أهمية التحرك السريع في ضوء التغيرات المتلاحقة في المنطقة نحو التوصل إلى حل الدولتين استنادا إلى خطوط عام 67 مع مقايضة متفق عليها للأراضي: وقال نير في تصريحات ل swissinfo.ch: "لقد أرسل أوباما رسالة واضحة إلى نتنياهو مفادها أن على حكومته القبول بمبدأ أن شهية إسرائيل للتوسع الاستيطاني على حساب السلام يجب دفع ثمنها بوصة مقابل بوصة من خلال مقايضة أراضي التكتلات الإستيطانية الكبرى في الضفة الغربية والقدس الشرقية بمساحات مساوية من أرض إسرائيل تضاف لحدود الدولة الفلسطينية". وأعرب السيد أوري نير عن أمل منظمة أمريكيين من أجل السلام الآن في أن يُتبع الرئيس أوباما خطابه بخطوات ملموسة لتحويل رؤيته للسلام القائمة على دولة فلسطينية تعيش في سلام بجوار إسرائيل إلى حقيقة واقعة في وقت أعلن فيه أوباما السياسة الأمريكيةالجديدة لمساندة التحول الديمقراطي والحرية والحقوق الأساسية في شرق أوسط جديد يمكن فيه للفلسطينيين والإسرائيليين العيش معا في سلام. المصدر: سويس انفو