المخاوف الكبيرة التي يعبِّر عنها الصهاينة من تداعيات اعتراف الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة بدولة فلسطين في سبتمبر القادم، تدلِّل بما لا يدع مجالًا للشك على أنه من غير الحكمة أن ينبري طرف فلسطيني للتهوين من هذه الخطوة، بفعل الحسابات السياسيَّة والحزبيَّة، هناك الكثير من المؤشِّرات التي تؤكِّد أن إسرائيل ستخسر أوراقًا هامَّة عدَّة في أعقاب هذه الخطوة، وعلى رأس قائمة المحاذير الصهيونيَّة خسارة الكيان الصهيوني شرعيته الدوليَّة، فحسب رأي العديد من كبار رجال القانون الدولي في إسرائيل فإن الإعلان عن الدولة الفلسطينيَّة من قِبل الجمعيَّة العامة للأمم المتحدة يحول أي سلوك إسرائيل في الضفة الغربيَّة والقدس وقطاع غزة إلى فعلٍ غير شرعي، يعاقب عليه القانون الدولي، ومن خلال رصد الآراء القانونيَّة التي تَمَّ التعبير عنها في إسرائيل، فإنه يمكن أن يتمَّ النظر للاستيطان اليهودي في الضفة الغربيَّة والقدس على أنه عمل غير شرعي، يسمح القانون الدولي بفرض عقوبات على إسرائيل من أجل إنهاء المظاهر الاستيطانيَّة والتهويديَّة، وتخشى إسرائيل أن يتمَّ تغيير مكانتها حسب القانون الدولي من دولة محتلَّة إلى دولة غازية، مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات قانونيَّة ضدّ قادة وجنود جيش الاحتلال العاملين في الضفة الغربيَّة وقطاع غزة. وعندما يحذِّر وزير الحرب الصهيوني من أن التحرك الفلسطيني في سبتمبر يمكن أن يتحوَّل إلى تسونامي سياسي، فإنه يعني ما يقول، حيث أنه قد يصبح شخصيًّا مطلوبًا للعدالة الدوليَّة، على اعتبار أنه المسئول الذي يُصدر التعليمات بشأن العمليات العسكريَّة والاستيطانيَّة في الضفة الغربيَّة، وحسب الآراء القانونيَّة فإن دولة فلسطين العتيدة، التي سيتمُّ الاعتراف بها من قِبل الجمعية العامَّة سيكون من حقها عقد اتفاقيات ومعاهدات مع دولة خارجيَّة، وهذا ما يشكِّل كابوسًا بالنسبة لإسرائيل، ومما لا شك فيه أن إحدى التحديات الاستراتيجيَّة التي ستواجه إسرائيل هو إمكانيَّة نزع الشرعيَّة عن تواجد قواتها على الحدود بين الدولة الفلسطينيَّة والدول الأخرى، مثل الأردن ومصر، حيث أنه في حال حاولت السلطات الأمنيَّة الإسرائيليَّة القيام بحملات تفتيش على الأشخاص والبضائع، فإن هذا سيعد تجاوزًا للقانون الدولي، وكما يرى الكثير من فقهاء القانون الدولي فإن الدولة الفلسطينيَّة الوليدة سيكون بإمكانها التوقيع على المعاهدات الدوليَّة، سيما ميثاق روما، وهو ما يعني تطبيق الصلاحيات القضائيَّة لمحكمة الجنايات الدولة على الضفة الغربيَّة والقدس وقطاع غزة، وسيكون بإمكان الدولة الجديدة رفع دعاوى جنائيَّة أمام المحكمة الدوليَّة ضدّ أي سلوكٍ إسرائيلي ينتقص من سيادتها ضد القادة السياسيين والعسكريين في إسرائيل، وهناك إحساسٌ في إسرائيل أنه في حال اعترفت 140 دولة أو أكثر بالدولة الفلسطينيَّة، فإن هذا يعني أن المدَّعِي العام لمحكمة الجنايات الدوليَّة سيكون مضطرًّا لإخضاع كل ما تقوم به إسرائيل للمحاكم الدوليَّة، ولعلَّ أهم حجة قانونيَّة يمكن أن يستند إليها الفلسطينيون في استغلال الاعتراف الأُمَمي بدولتهم هو أن الضفة الغربيَّة والقدس لم تعودا مناطق متنازَع عليها، وبالتالي فإن هناك احتمالًا بأن يتمَّ الاستناد لهذه الحجَّة في معاقبة وزراء ورؤساء وزراء وموظفين، في حال قاموا بأي دور في توطين مزيد من المستوطنين اليهود في الأراضي التي أعلنت عليها الدولة الفلسطينيَّة، حيث يمكن أن تطال الإجراءات الدوليَّة رؤوس الكيان الصهيوني، ابتداءً من رئيس الوزراء وحتى أصغر موظف يكون له دور في تسهيل عمليات الاستيطان، وهناك تداعياتٌ غير مباشرة لإعلان الدولة، فكل خطوة إسرائيليَّة ضدّ الفلسطينيين في الضفة الغربيَّة وقطاع غزة قد يقابلها تحرك دولي على شكل فرض المقاطعة الاقتصاديَّة على الكيان الصهيوني. تحركات إسرائيليَّة استباقيَّة تدرك إسرائيل التداعيات الخطيرة لاعتراف الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة بدولة فلسطين، وهي مشغولة حاليًا بالتحضير لردود، ستدعي أن هناك ما يسوِّغُها في القانون الدولي، في محاولة منها لإفراغ هذا التحرك من مضمونه، ونحن هنا بصدد التعرض لبعض هذه الآراء، فحسب النصائح التي يتلقَّاها كبار المسئولين الصهاينة، فإن إسرائيل بإمكانها أن تدَّعِي بأن الفلسطينيين ليس بإمكانهم الإعلان عن الدولة من جانبٍ واحد، على اعتبار أن هذه الخطوة أحاديَّة الجانب وتشكِّل خرقًا لاتفاقيَّة "أوسلو" التي وقَّعت عليها منظمة التحرير، بشهادة المجتمع الدولي. وهناك من القانونيين الإسرائيليين من يرى أن إعلان الفلسطينيين الدولة في الضفة الغربيَّة وقطاع غزة، يعني تنازل الفلسطينيين عن حقوقهم التاريخيَّة في فلسطين، وهناك من يحاجج أن إعلان الدولة من جانبٍ واحد يتيح لإسرائيل السيطرة على كل الأراضي التي تقع خارج نطاق مناطق السلطة الفلسطينيَّة في الضفة الغربيَّة وقطاع غزة، وبالطبع لا يمكن أن نستبعد أن الإدارة الأمريكيَّة سيما عشيَّة الانتخابات الرئاسيَّة ستتحرك لإنقاذ الكيان الصهيوني، وستعمل جاهدةً على تبنِّي الحجج القانونيَّة الإسرائيليَّة، وستعمل على تسويقها لدى الكثير من دول العالم، في نفس الوقت فإن هناك من الدول الأوروبيَّة من لا يضطرّ إسرائيل لبذل جهد كبير من أجل إقناعه ب "عدالة" ما تطرحه، سيما ألمانيا وإيطاليا وهولندا. ردّ فلسطيني إن كان هناك ثَمَّة من يتعاطى مع استحقاق سبتمبر كاستحقاق جدي، فعليه أن يبادر من الآن إلى تجهيز ردود قانونيَّة على الحجج الإسرائيليَّة، وذلك عبر الاستعانة بالكفاءات القانونيَّة الفلسطينيَّة والعربيَّة والإسلاميَّة والدوليَّة، حيث إن الانطباع السائد لدى الكثير من القانونيين الصهاينة أن الحجَّة الإسرائيليَّة داحضة، ومما لا شك فيه أن الفلسطينيين يحتاجون أيضًا إلى موقف سياسي موحَّد في هذه الفترة، حتى لا تتمكَّن إسرائيل من توظيف أي سلوكٍ فلسطيني في الاتجاه الذي تخطِّط له، صحيح أن هناك تحديات، لكن هذه التحديات تحمل فرصًا كبيرة، وبكلِّ تأكيدٍ فإن هناك حاجة ماسَّة لدعم عربي وإسلامي للتحرُّك الفلسطيني والمطالبة بوضعِ حدٍّ لسياسة المعايير المزدوجة التي يتمُّ التعامل بها من قِبل واشنطن. المصدر: الاسلام اليوم