مع أنها اتفقت على أن السيسي سيكون هو الفائز في انتخابات الرئاسية (الثنائية) أو (بطل استطلاعات الرأي)، حسب صحيفة ''لو فيجارو'' الفرنسية على منافسه الوحيد (صباحي)،إلا أن اختلاف نتائج استطلاعات رأي المشاركة في انتخابات الرئاسة في مصر 2014 التي سبقت الانتخابات بأيام وأسابيع، مثلت أنموذجا صارخا في اضطراب النتائج واستخدامها جنبا إلى جنب مع الأدوات الإعلامية الأخرى بالصراع الداخلي وتعزيز حالة الانقسام المصرية المستمرة ففي الوقت الذي أعلن فيه المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) قبل ما يقرب من أسبوعين من الانتخابات بأن نسبة الذين سيصوتون في الانتخابات ستصل إلى 87% http://baseera.com.eg/baseera/pdf_poll_file_ar/Voting%20Trends-ar.pdf
وهذه النسبة بقيت متقاربة في عدة استطلاعات للمركز نفسه طيلة
الثلاث شهور الماضية، في المقابل أعلن المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر) قبل يومين من الانتخابات بأن نسبة المشاركة لن تتجاوز 10%
http://www.ecmeg.com/?p=181
ومع الفجوة الواسعة بين نتائج المركزين، والتي لا يمكن تبريرها مهما اختلفت أدوات جمع البيانات ووقتها وعدد العينة وغيرها من الجوانب المنهجية إلا أنه لا يخفى أن قرار تمديد الانتخابات لمدة يوم واحد وإجراءات الترغيب والتهديد التي اتخذتها الحكومة المصرية للخروج من مأزق ضعف التصويت الفاضح واضطراب وهستيريا الإعلاميين في حث المصريين للنزول لصناديق الاقتراع، قد دعم نتائج مركز (تكامل مصر) بأن واحدا فقط من كل عشرة مصريين سيشاركون بالتصويت، بينما التسعة الآخرون إما مقاطعون أو لا يهتمون.
وفي الوقت ذاته ، فقد أضعفت هذه الحالة من مصداقية نتائج مركز استطلاع (بصيرة)، والذي يرى البعض بأنه محسوب على جمال مبارك ومنظومته، في حين يرى البعض الآخر بأن مركز (تكامل مصر) محسوب على جماعة الإخوان أو الجهات الرافضة للانقلاب.
الأسباب التي تمنع 90% من المصريين من المشاركة وعدم الاهتمام كما في استطلاعات رأي (تكامل مصر) ومنشور في تقرير الاستطلاع على موقعهم هي: "عدم أهمية صوتي 79%"، "لا أؤيد المرشحين 67%"، "عدم شرعية الانتخابات 58%"، "لا أهتم بالانتخابات 49%"، "الانتخابات محسومة مسبقا 46%".
ومع الاختلاف الواضح على نسبة المشاركة بالانتخابات، والتي تشكل الميدان الخصب لتأثير المواقف السياسية حسب القائمين على مراكز استطلاعات الرأي، إلا أنها اتفقت على أمر آخر غير اكتساح السيسي لانتخابات الرئاسة، وهو أن المشاركة ستكون من كبار السن أكثر من فئة الشباب، وهي من النتائج التي ستبقى مقلقة للرئيس القادم ونظامه وتعكس حالة الرفض لدى الشباب المصري ووعيهم بالخدع التي مارستها سلطات الانقلاب وإعلامها الهزيل منذ ما يقارب من العام.
وفي الجانب الآخر، ربما تفسر نتائج العزوف عن المشاركة من منظور الرأي العام بأن هناك تأثيرا لما أذكر أنه يسمى (العربة الفائزة) أو (الكلب الخاسر)، التي تفضي إلى تقاعس الناخبين عندما يكون هناك فائز مؤكد فوزه وخاسر مؤكد خسارته، فيتكاسل الناخبون عن التصويت والمشاركة ، وبالتالي تختلف النتائج والنسب عما أعلنت عنه مراكز استطلاعات الرأي.
وبغض النظر عن نتائج استطلاعات رأي المركزين السابقين، والتي أشرت إليهما كنموذج فقط لحالة الاختلاف المصرية، وبقطع النظر أيضا عما أسفرت عنه النتائج النهائية، سواء الحقيقة أو المزورة، لنسبة المشاركة، فقد تتبعت منذ سنوات استطلاعات آراء المصريين في الشأن المصري والتي نفذتها عدة جهات ، ولعل أبرزها نتائج مركز بيو Pew، والذي أجرى عدة استطلاعات رأيوخاصة بعد ثورة 25 يناير 2011، وكان آخرها استطلاع أبريل 2014، حيث يتضح انقسام الرأي العام المصري مناصفة تقريبا في اعتبار ما جرى في 30 يونيو 2013 ثورة أم انقلاب، ومنقسمون في تفضيل السيسي أو مرسي، ويتبين أيضا بأن ثمة انخفاضا في الثقة بكل الفاعلين في الساحة من الإعلام والجيش والقضاء وجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك الثقة بإجراء انتخابات نزيهة، كما ازداد التشاؤم عند ثلاثة أرباع المصريين فيما بعد الانقلاب على عكس التفاؤل الذي انتابهم بعد ثورة 25 يناير.
ليست هذه المرة الأولى التي تبدو فيها الاختلافات البينة في نتائج استطلاعات الرأي في الواقع المصري واستخدامها في الصراع المصري، وكما إنها لن تكون المرة الأخيرة التي ستستخدم فيها، ولكن المراقب يجد أن الجهات المحسوبة على النظام السابق تستخدم بشكل أفضل ويتلقفها الإعلام وقنواته وأبواقه بشكل يخدم مصالح الدول العميقة ومؤسساتها.